كتاب أبي عبد الله الجرجاني وكتاب نقضة لأبي منصور عبد القاهر لا يخلوان من غلو وإسراف في القول على جلالة قدر مؤلفيهما وأصاب ابن الصلاح حيث قال فيهما وكل واحد منهما لم يخل كلامه من ادعاء ما ليس له والتشنيع بما لا يؤبه به مع وهم كثير أتياه سامحهما الله تعالى وإيانا بمنه وكرمه انتهى ما في الحاوي بحذف يسير وقد قيل في الامام البخاري رحمه الله تعالى انه سرق كتاب العلل لشيخه علي بن المديني وعزا ما فيه إلى نفسه كما في كتاب الصلة لمسلمة بن القاسم الأندلسي المتوفي سنة 353 وتعقب عليه الحافظ في تهذب التهذيب إذ قال: قال مسلمة وألف علي بن المديني كتاب العلل وكان ضنينا به فغاب يوما في بعض ضياعه فجاء البخاري إلى بعض بنيه وراغبه بالمال على أن يرى الكتاب يوما واحدا فأعطاه له فدفعه إلى النساخ فكتبوه له ورده إليه فلما حضر علي تكلم بشئ فأجابه البخاري بنص كلامه مرارا ففهم القضية واغتم لذلك فلم يزل مغموما حتى مات بعد يسير واستغنى البخاري عنه بذل الكتاب وخرج إلى خراسان ووضع كتابه الصحيح فعظم شانه وعلا ذكره قال الحافظ إنما أوردت كلام مسلمة هذا لأبين فساده فان القصة غنية عن الرد لظهور فسادها وحسبك انه بلا اسناد إلى آخر ما قال كما في اللامع فإن كان الامام البخاري رحمه الله تعالى مع علو شانه وعظمته يتهم بسرقة كتاب شيخه فلا ضير إذا باتهام الامام الطحاوي بسرقة كتاب ابن جرير وكما أن اتهام البخاري لا يؤثر في عظمته فكذلك اتهام الطحاوي بذلك لا يؤثر في شانه فان الاتهام بذلك بلا اسناد فلا يقبل والله ملهم الرشد والصواب - الفائدة الثانية عشرة في مقام الامام الطحاوي في الفقه والاجتهاد قال ابن زولاق سمعت أبا الحسن علي بن أبي جعفر الطحاوي يقول سمعت أبي يقول وذكر فضل أبي عبيد بن حربويه وفقهه فقال كان يذاكرني بالمسائل فأجبته يوما في مسألة فقال لي ما هذا قول أبي حنيفة فقلت له أيها القاضي أو كل ما قاله أبو حنيفة أقول به - فقال ما ظننتك الا مقلدا فقلت له وهل يقلد الا عصبي فقال لي أو غبي قال فطارت هذه الكلمة بمصر حتى صارت مثلا وحفظها الناس كذا في اللسان والحاوي - وهذا القول يدل على أن للامام الطحاوي درجة عالية في الاجتهاد - وقد ذكره القاري في ذيل الجواهر المضية في الطبقة الثالثة وقال الثالثة طبقه المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب كالخصاف وأبي جعفر الطحاوي وأبي الحسن الكرخي وشمس الأئمة الحلواني وشمس الأئمة السرخسي وفخر الاسلام البزدوي وفخر الدين قاضيخان وأمثالهم فإنهم لا يقدرون على المخالفة للشيخ لا في الأصول ولا في الفروع لكنهم يستنبطون الاحكام في مسألة لا نص فيها على حسب أصول قررها ومقتضى قواعد بسطها انتهى وذكره العلامة عبد الحي في الفوائد البهية في هذه الطبقة الا انه جعل ذلك الطبقة الطبقة الثانية وجعل الطبقة الأولى طبقة المجتهدين في المذهب كأبي يوسف ومحمد وغيرهما من أصحاب أبي حنيفة القادرين على استخراج الاحكام من القواعد التي قررها الامام وجعل القاري ذلك الطبقة الطبقة الثانية وجعل الطبقة الأولى طبقة المجتهدين في الشرع كالأئمة الأربعة ومن سلك مسلكهم في تأسيس قواعد الأصول واستنباط احكام الفروع من الأدلة الأربعة الكتاب والسنة والاجماع والقياس على حسب تلك القواعد من غير تقليد لأحد في الفروع ولا في الأصول - وقال العلامة عبد الحي في التعليقات السنية عده ابن كمال باشا وغيره من طبقة من يقدر على الاجتهاد في المسائل التي لا رواية فيها ولا يقدر على مخالفة صاحب المذهب لا في الفروع ولا في الأصول وهو منظور فيه فان له درجة عالية ورتبة شامخة قد خالف بها صاحب المذهب في كثير من الأصول والفروع ومن طالع شرح معاني الآثار وغيره من مصنفاته
(المقدمة ٥٠)