الجواب:
إعلم أن كونه تعالى مريدا تابع للداعي لا محالة، لأن ما دعاه تعالى إلى أفعال يدعوه إلى فعل الإرادة لها. لأنا قد بينا أن داعي الفعل والإرادة واحد لأن ما دعى زيدا إلى الأكل يدعوه إلى فعل إرادة الأكل.
وهذه الإرادة مؤثرة في الفعل، لأنه بها ومن أجلها يقع على وجه دون آخر.
ألا ترى هذا الفعل إنما يكون مفعولا لأجل الداعي ومتوجها غيره (3) بالإرادة، لأنا قد بينا أنه لا يكفي في كون الفعل مفعولا للداعي، أن يعلم الفاعل للداعي وإن لم يقصد بالفعل ذلك الوجه.
وهذه الإرادة المؤثرة لا تجوز أن تكون هي إرادة الحدوث المجرد، بل إرادة حدوثه على ذلك الوجه المخصوص ولا يلزم على هذا أن تحتاج الإرادة إلى إرادة، لأن الإرادة لا تقع على وجوه مختلفة، فتحتاج إلى ما يؤثر في وقوعها على بعض تلك الوجوه.
وليس كذلك الفعل، لأنه قد يقع على وجوه مختلفة فإذا حصل في بعضها فلا بد من مؤثر في وقوعه على ذلك الوجه. وقد ذكرنا هذا المعنى ووضح وضوحا يزيل كل شبهة.
فأما ذكر الخبر والأمر ودعوى رجوع كونهما كذلك إلى الصيغة والداعي فمن البين الفساد، فلا يجوز أن يكون لها حظ في هذه الصفات: لأنها توجد مع فقدها. ألا ترى أن صيغة الخبر والأمر تقع من الهاذي والمجنون وتقع صيغة الأمر من المتعدد المبيح والمتحدي.