(مجلس آخر 66) [تأويل آية].. إن سأل سائل عن قوله تعالى (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله) إلي آخر الآية.. فقال ما أنكرتم أن تكون هذه الآية دالة على أنه جعل الكافر كافرا لأنه أخبر بأنه جعل منهم من عبد الطاغوت كما جعل القردة والخنازير وليس يجعله كافرا إلا بأن يخلق كفره.. الجواب يقال له قبل أن يتكلم في تأويل الآية بما تحتمله من المعاني كيف يجوز أن يخبرنا تعالى بأنه يجعلهم كفارا وخلق كفرهم والكلام خرج مخرج الذم لهم والتوبيخ على كفرهم والمبالغة في الإزراء عليهم وأي مدخل لكونه خالقا لكفرهم في باب ذمهم وأي نسبة بينه وبينهم وبين ذلك بل لا شئ أبلغ في عذرهم وبراءتهم من أن يكون خالقا لما ذمهم من أجله وهذا يقتضى أن يكون الكلام متناقضا مستحيل المعنى ونحن نعلم أن أحدا إذا أراد ذم غيره وتوبيخه وتهجينه بمثل هذا الضرب من الكلام إنما يقول ألا أخبركم بشر الناس وأحقهم بالذم واللوم من فعل كذا وصنع كذا وكان على كذا وكذا فيعدد من الأحوال والافعال قبائحها ولا بجوز أن يدخل في جملتها ما ليس بقبيح ولا ما هو من فعل الذام أو من جهته حتى يقول في جملة ذلك ومن شاغل بالصنعة الفلانية التي أسلمها إليه وحمله عليها وإن عقلا يقبل هذه الشبهة لعقل ضعيف سخيف.. فان قيل أليس قد ذمهم في الكلام بأن جعل منهم القردة والخنازير ولاصنع لهم في ذلك فكذلك يجوز أن يذمهم ويجعلهم عابدين للطاغوت وإن كان من فعله.. قلنا إنما جعلهم قردة وخنازير عقوبة لهم على أفعالهم وباستحقاقهم فجرى ذلك مجرى أفعالهم كما ذمهم بأن لعنهم وغضب عليهم من حيث استحقوا ذلك منه تعالى بأفعالهم وعبادتهم للطاغوت فإن كان هو خلقها فلا وجه لذمهم بها لان ذلك مما لا يستحقونه بفعل متقدم كاللعن والمسخ.. ثم نعود إلى تأويل الآية فنقول لا ظاهر للآية يقتضى ما ظنوه وأكثر ما تضمنته الاخبار بأنه جعل وخلق من يعبد الطاغوت كما جعل منهم القردة والخنازير ولا شبهة في أنه تعالى هو خالق الكافر وأنه لا خالق له سواه غير أن ذلك لا يوجب أنه خلق كفره وجعله كافرا وليس لهم أن يقولوا كما نستفيد من قوله
(٨٧)