المفقون بما تظهرونه للمؤمنين من المتابعة والموافقة وتبطنونه من النفاق وتطلعون عليه شياطينكم إذا خلوتم بهم تظنون أنكم مستهزؤن فالله تعالى هو المستهزئ بكم من حيث جعل لكم أحكام المؤمنين ظاهرا حتى ظننتم أن لكم ما لهم ثم ميز تعالى بينكم في الآخرة ودار الجزاء من حيث أناب المخلصين الذين يوافق ظواهرهم بواطنهم وعاقب المنافقين وهذا الجواب يقرب معناه من الجواب الثاني وإن كان بينهما خلاف من بعض الوجوه.. والجواب الرابع أن يكون معنى ذلك أن الله هو الذي يرد استهزاء كم ومكركم عليكم وأن ضرر ما فعلتموه لم يتعدكم ولم يحط بسواكم ونظير ذلك قول القائل إن فلانا أراد أن يخدعني فخدعته وقصد إلى أن يمكر بي فمكرت به والمعنى أن ضرر خداعه ومكره عائد إليه ولم يضرني به.. والجواب الخامس أن يكون المعنى أنه يجاز بهم على استهزائهم فسما الجزاء على الذنب باسم الذنب والعرب تسمى الجزاء على الفعل باسمه قال الله تعالى (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وقال (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) الآية وقال (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) والمبتدأ ليس بعقوبة.. وقال الشاعر إلا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا (1) ومن شأن العرب أن تسمى الشئ باسم ما يقاربه ويصاحبه ويشتد اختصاصه به وتعلقه به إذا انكشف المعنى وأمن الابهام وربما غلبوا أيضا اسم أحد الشيئين على الآخر لقوة التعلق بينهما وشدة الاختصاص فيهم فمثال الأول قولهم للبعير الذي يحمل المزادة راوية وللمزادة المحمولة على البعير رواية فسموا البعير باسم ما يحمل عليه.. قال الشاعر مشى الروايا بالمزاد الأثقل أراد الروايا الإبل ومن ذلك قولهم صرعته الكأس فاستلبت عقله.. قال الشاعر وما زالت الكاس تغتالنا * وتذهب بالأول فالأول والكأس هي ظرف الشراب والفعل الذي أضافوه إليها إنما هو مضاف إلى الشراب الذي يحل فيها لان العرب لا تقول الكأس إلا بما فيه من الشراب فكان الاناء الفارغ لا يسمى
(٥٦)