وقال وأغرب أبو نواس في قوله تبكى فتذرى الدر من طرفها * وتلطم الورد بعناب قال فلم يحسن هذا العلج أن يستعير شيئا من محاسن القائلين.. [قال الشريف المرتضي] رضي الله عنه وهذا غلط من ابن عمار وسفه على أبى تمام لان الكميت جمع بين شيئين متباعدين وهما الدل وهو الشكل والحلاوة وحسن الهيئة والشنب وهو برد الأسنان فيطلق عليه بذلك بعض العيب وأبو تمام جمع بين شيئين غير متفرقين لان التوديع إنما أشار به إلى ما أشارت إليه بأصبغها من وداعه عند الفراق وشبه مع ذلك أصابعها بالعنم والعنم نبت أغصانه غضة دقاق شبه الأصابع.. وقيل إن العنم واحدته عنمة وهي العصابة الصغيرة البيضاء وهي أشبه شئ بالأصابع البيضاء الغضة وهذا حكاه صاحب كتاب العين .. وقيل إن العنم نبت له نور أحمر تشبه به الأصابع المخضوبة فوجه حسن قوله التوديع والعنم أن التوديع كان بالأصابع التي تشبه العنم فجمع بينهما بذلك ولا حاجة به إلى ذكر الأنامل المخضبة على ما ظن أبو العباس بل ذكر المشبه به أحسن وأفصح من أن يقول التوديع والأنامل التي تشبه العنم.. فأما قوله إن التوديع لا يستقبح وإنما يستقبح عاقبته فخطأ ومطالبة الشاعر بما لا يطالب بمثله الشعراء لان التوديع إذا كان منذرا بالفراق وبعد الدار وغيبة المحبوب لا محالة إنه مكروه مستقبح.. وقوله مستقبح عاقبته صحيح إلا أن ما يعقبه ويثمره لما كان عند حضوره متيقنا مذكورا عاد الاكراه والاستقباح إليه ونحن نعلم أن الناس يتكرهون ويستقبحون تناول الأشياء الملذة من الأغذية وغيرها إذا علموا ما في عواقبها من المكروه فان من قدم إليه طعام مسموم وأعلم بذلك يتكرهه ويستقبح تناوله لما يتوقعه من سوء عاقبته وإن كان ملذا في الحال ولم تزل الشعراء تذكر كراهتها للوداع وهربها منه لما يتصور فيه من ألم الفرقة وغصص الوحشة وهذا
(١٦٦)