رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نزلنا دارا فكثر فيها عددنا وكثر بها أموالنا ثم تحولنا منها إلى أخرى فقلت فيها أموالنا وقل عددنا فقال عليه الصلاة والسلام ذروها فهي ذميمة قال ابن قتيبة وهذا ليس ينقض الحديث الأول وإنما أمرهم بالتحول منها لأنهم كانوا مقيمين فيها على استثقال ظلها واستيحاش لما نالهم فيها وأمرهم عليه الصلاة والسلام بالتحول منها وقد جعل الله في غرائز الناس وتركيبهم استثقال ما ينالهم السوء فيه وإن كان لا سبب له في ذلك وحب من جرى على يده الخير لهم وإن لم يردهم به وبغض من جرى على يده الشر لهم وإن لم يردهم به.. [قال الشريف المرتضى] رضي الله عنه ما وجدنا ابن قتيبة عمل شيئا أكثر من أنه لما أعجزه تأويل الاخبار التي سأل نفسه عنها والمطابقة بينها وبين قوله عليه الصلاة والسلام لا عدوى ولا طيرة ادعى الخصوص فيما ظاهره العموم وخص العدوي بشئ دون آخر وكلاهما سواء فيه وأورد تأويلا يدفعه نص قوله عليه الصلاة والسلام لأنه عليه الصلاة والسلام لما سئل عن النقبة تقع بمشفر البعير فتجرب لذلك الإبل قال عليه الصلاة والسلام فما أعدى الأول تكذيبا بعدوى هذه النقبة وتأثيرها فاطرح ابن قتيبة ذلك وزعم أن الجرب يعدى ويؤثر في المخالط والمؤاكل وعول في ذلك على قول الأطباء وترك قول الرسول عليه الصلاة والسلام.. ومن ظريف أمره أنه قال إن الأطباء ينهون عن مجالسة المسلول والمجذوم ولا يريدون بذلك معنى العدوي وإنما يريدون تغير الرائحة وأنها تسقم من أدمن اشتمامها وهذا غلط منه لان الأطباء إنما تنهى عن ذلك خوفا من العدوي وسبب العدوي عندهم هو اشتمام الرائحة وانفصال أجزاء من السقيم إلى الصحيح وليس إذا كان غير هذا عدوي عند قوم ما يوجب أن لا يكون هذا أيضا عدوى.. ولما حكى عن غيره تأويلا صحيحا في قوله عليه الصلاة والسلام لا بوردن ذو عامة على مصح ادعى أن العيان يدفع وأي عيان معه ونحن نجد كثيرا ممن يخالط الجربي فلا يجرب ونجد إبلا صحاحا تخالط ذوات العاهات فلا يصيبها شئ من أدوائها فكأنه إنما يدعى أن العيان يدفع قول النبي صلى الله عليه وسلم فما أعدى الأول.. والوجه عندنا في قول النبي عليه الصلاة والسلام لا يوردن ذو عاهة على مصح أنه عليه الصلاة والسلام إنما نهى
(١١٣)