بهذه الآية كثير من العلماء الموحدين على أنه تعالى لا يرى بالابصار من حيث نفي الرؤية نفيا عاما بقوله تعالى (لن تراني) ثم أكد ذلك بأن علق الرؤية باستقرار الجبل الذي علمنا أنه لم يستقر وهذه طريقة للعرب معروفة في تبعيد الشئ لأنهم يعلقونه بما يعلم أنه لا يكون كقولهم لا كلمتك ما أضاء الفجر وطلعت الشمس وكقول الشاعر إذا شاب الغراب رجوت أهلي * وصار القير كاللبن الحليب .. ومما يجرى هذا المجرى قوله تعالى (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) وليس لاحد أن يقول إذا علق الرؤية باستقرار الجبل وكان ذلك في مقدوره تعالى فيجب أن تكون الرؤية معلقة به أيضا في مقدوره تعالى بأنه لو كان الغرض بذلك التبعيد لعلقه بأمر يستحيل كما علق دخولهم الجنة بأمر يستحيل من ولوج الجمل في سم الخياط وذلك أن تشبيه الشئ بغيره لا يجب أن يكون من جميع الوجوه ولما علق وقوع الرؤية باستقرار الجبل وقد علم أنه لا يستقر علم نفى الرؤية وما عدا ذلك من كون الرؤية مستحيلة وغير مقدورة واستقرار الجبل بخلافها يخرج عن ما هو الغرض في التشبيه على أنه إنما علق تعالى جواز الرؤية باستقرار الجبل في تلك الحال التي جعله فيها دكا وذلك محال لما فيه من اجتماع الضدين فجرى مجرى جواز الرؤية في الاستحالة وليس يجب في كل ما علق بغيره أن يجرى مجراه في سائر وجوهه حتى إذا كان أحدهما مع انتفائه مستحيلا كان الآخر بمثابته مستحيلا لان تعليق دخول الكفار الجنة إنما علق بولوج الجمل في سم الخياط ودخول الكفار الجنة لم يكن مستحيلا بل معلوم أن الأول في المقدور وإن كان لا يحسن والثاني ليس فيه المقدور وهذه الجملة كافية في تأويل هذه الآية وبيان ما فيها والحمد لله وحده [قال الشريف المرتضى] رضي الله عنه وإني لأستجيد قول أبى العاص بن خزام ابن عبد الله بن قتادة المازني وكم من صاحب قد بان عنى * رميت بفقده وهو الحبيب فلم أبد الذي تحنو ضلوعي * عليه وإنني لأنا الكثيب
(١٢٨)