ولا يحصل على أنه يمكن ان يرد قوله ذلكم إلى ما حكاه عن آل فرعون من الافعال القبيحة ويكون المعنى ان في تخليته بين هؤلاء بينكم وتركه منعهم من ايقاع هذه الأفعال بكم بلاء من ربكم عظيم أي محنة واختيار لكم والوجه الأول أقوى وأولى وعليه جماعة من المفسرين.. وروى أبو بكر الهذلي عن الحسن في قوله تعالى (في ذلكم بلاء من ربكم عظيم) قال نعمة عظيمة إذا أنجاكم من ذلك وقد روى مثل ذلك عن ابن عباس والسدي ومجاهد وغير هم.. فأما إضافة النجاة إليه وإن كانت واقعة بسير هم وفعلهم فلو دل على ما ظنوه لوجب إذا قلنا إن الرسول عليه الصلاة والسلام أنقذنا من الشرك أخرجنا من الضلالة إلى الهدى ونجانا من الكفر أن يكون فاعلا لأفعالنا و كذلك قد يقول أحدنا لغيره أنا نجيتك من كذا وكذا واستنقذتك وخلصتك ولا يريد انه فعل بنفسه فعله والمعنى في ذلك ظاهر لان ما وقع بتوفيق الله تعالى ودلالته وهدايته ومعونته وألطافه قد يصح اضافته إليه فعلى هذا صحت إضافة النجاة إليه تعالى.. ويمكن أيضا أن يكون مضيفا لها إليه تعالى من حيث ثبط عنهم الاعداد وشغلهم عن طلبهم وكل هذا يرجع إلى المعونة فتارة تكون بأمر يرجع إليهم وتارة بأمر يرجع إلى أعدائهم.. فان قيل كيف يصح أن يقول (وإذ أنجينا كم من آل فرعون) فيخاطب بذلك من لم يدرك فرعون ولا نجا من شره... قلنا ذلك معروف مشهور في كلام العرب وله نظائر لان العربي قد يقول مفتخرا على غير قتلنا كم يوم عكاظ وهزمنا كم وإنما يريد أن قومي فعلوا ذلك بقومك... وقال الأخطل يهجو جرير بن عطية ولقد سما لكم الهذيل فنالكم * بإراب حيث نقسم الانفالا في فيلق يدعوا الأراقم لم تكن * فرسانه عزلا ولا أكفالا ولم يلحق جرير الهذيل ولا أدرك اليوم الذي ذكره غير أنه لما كان يوم من أيام قوم الأخطل على قوم جرير أضاف الخطاب إليه والى قومه فكذلك خطاب الله تعالى بالآية إنما توجهت إلى أبناء من نجى من آل فرعون وأحلافهم والمعنى وإذ نجينا آباءكم وأسلافكم والنعمة على السلف نعمة على الخلف... قال الشريف المرتضى رضى الله (4 - المالي رابع)
(٢٥)