في الآية وجه آخر على جميع القراءات المختلفة في عبد الطاغوت وهو أن يكون المراد أن يجعل منهم عبد الطاغوت أي نسبه إليهم وشهد عليه بكونه من جملتهم ويجعل في مواضع قد تكون بمعنى الخلق والفعل كقوله (وجعل الظلمات والنور) وكقوله تعالى (وجعل لكم من الجبال أكنانا) وهي ههنا تتعدى إلى مفعول واحد وقد تكون أيضا بمعنى التسمية والشهادة كقوله تعالى (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) وكقول القائل جعلت البصرة بغداد وجعلتني كافرا وجعلت حسنى قبيحا وما أشبه ذلك فهي ههنا تتعدى إلى مفعولين ولجعل مواضع أخر لا حاجة بنا إلى ذكرها فكأنه تعالى نسب عبد الطاغوت إليهم وشهد أنهم من جملتهم.. فإن قيل لو كانت جعل ههنا على ما ذكرتم لوجب أن يكون متعدية إلى مفعولين لأنها إذا لم تتعد إلا إلى مفعول واحد فلا معنى لها إلا الخلق.. قلنا هذا غلط من متوهمه لان جعل ههنا متعدية إلى مفعولين وقوله تعالى منهم يقول مقام المفعول الثاني عند جميع أهل العربية لان كل جملة تقع في موضع خبر المبتدا فهي تحسن أن تقع في موضع المفعول الثاني كجعلت وظننت وما أشبههما.. وقال الشاعر أبا الأراجيز يا بن اللوم توعدني * وفى الأراجيز خلت اللؤم والخور (1)
(٩٠)