أنها مثلها في التثني والتعطف.. ولقد أحسن جران العود في قوله في المعنى الذي تقدم كأن سبيكة صفراء صبت * عليها ثم ليث بها الإزار برود العارضين كأن فاها * بعيد النوم مسك مستثار (مجلس آخر 62) [تأويل آية]..
ان سأل سائل عن قوله تعالى (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون).. فقال كيف أضاف الاستهزاء إليه تعالى وهو مما لا يجوز في الحقيقة عليه وكيف خبر بأنه يمدهم في الطغيان والعمه وذلك بخلاف مذهبكم.. الجواب قلنا في قوله تعالى (الله يستهزئ بهم) وجوه.. أولها أن يكون معنى الاستهزاء الذي أضافه تعالى إلى نفسه تجهيله لهم وتخطئنه إياهم في إقامتهم على الكفر وإصرارهم على الضلال وسمى الله تعالى ذلك استهزاء مجازا واتساعا كما يقول القائل إن فلانا ليستهزأ به منذ اليوم إذا فعل فعلا عابه الناس به وخطؤوه فأقيم عيب الناس على ذلك الفعل وازراؤهم على فاعله مقام الاستهزاء به وإنما أقيم مقامه لتقارب ما بينهما في المعنى لان الاستهزاء الحقيقي هو ما يقصد به إلى عيب المستهزأ به والإزراء عليه وإذا تضمنت التخطئة والتجهيل والتبكيت هذا المعنى جاز أن يجرى اسم الاستهزاء عليه ويشهد بذلك قوله تعالى (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها) ونحن نعلم أن الآيات لا يصح عليها الاستهزاء ولا السخرية في الحقيقة وإنما المعنى إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويزري عليها والعرب قد تقيم الشئ مقام ما قاربه في معناه فتجرى عليه اسمه.. قال الشاعر كم من أناس في نعيم عمروا * في ذرى ملك تعالى فبسق سكت الدهر زمانا عنهم * ثم أبكاهم دما حين نطق والسكوت والنطق على الحقيقة لا يجوزان على الدهر وإنما شبه تركه الحال على ما هي عليه بالسكوت وشبه تغييره لها بالنطق وأنشد الفراء