يسومونكم سوم العذاب - إلى قوله تعالى - بلاء من ربكم عظيم) فقال ما تنكرون أن يكون في هذا الآية دلالة على إضافة الافعال التي تظهر من العباد إلى الله تعالى من وجهين .. أحدهما أنه قال تعالى بعدما تقدم ذكره من أفعالهم ومعاصيهم وفى ذلك بلاء من ربكم عظيم فأضافها إلى نفسه.. والثاني أضاف تجاتهم من آل فرعون إليه فقال تعالى وإذ أنجيناكم ومعلوم انهم هم الذين ساروا حتى نجوا فيجب أن يكون ذلك السير من فعله على الحقيقة حتى تصح الإضافة حينئذ.. الجواب قلنا أما قوله تعالى وفي ذلكم فهو إشارة إلى ما تقدم ذكره من انجائه لهم من المكروه والعذاب وقد قال قوم انه معطوف على ما تقدم من قوله تعالى (يا بني إسرائيل إذ كوا نعمتي التي) الآية والبلاء ههنا الاحسان والنعمة ولا شك في أن تخليصه لهم من ضروب المكاره التي عددها الله نعمة عليهم واحسان إليهم والبلاء عند العرب قد يكون حسنا وقد يكون سيئا قال الله تعالى (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا) ويقول الناس في الرجل إذا أحسن القتال والثبات في الحرب قد أبلى فلان ولفلان بلاء والبلوى أيضا قد يستعمل في الخبر والشر الا ان أكثر ما يستعملون البلاء الممدود في الجميل والخير والبلوى المقصورة في السوء الشر فقال قوم أصل البلاء في كلام العرب الاختبار والامتحان ثم يستعمل في الخير والشر لان الاختبار والامتحان قد يكون في الخير والشر جميعا كما قال تعالى (وبلوناهم بالحسنات والسيئات) يعنى اختبرناهم وكما قال تعالى (ولنبلونكم بالخير فتنة) فالخير يسمى بلاء والشر يسمى بلاء غير أن الا كثر في الشر أن يقال بلوته أبلوه بلا وفى الخير أبلوته أبليه إبلاء وبلاء.. وقال زهير في البلاء الذي هو الخير جزى الله بالاحسان ما فعلا بكم * وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو فجمع بين اللغتين لأنه أراد أنعم الله عليهما خير النعمة التي يختبر بها عباده وكيف يجوز أن يضيف تعالى ما ذكره عن آل فرعون من ذبح الأبناء وغيره إلى نفسه وهو قد ذمهم عليه و وبخهم وكيف ويكون ذلك من فعله وهو قد عد تخليصهم منه نعمة عليهم وكان يجب على هذا أن يكون إنما نجاهم من فعله تعالى بفعله وهذا مستحيل لا يعقل
(٢٤)