من الكلام ولا يراد بها أكثر من الإشارة إلى الجنس والطبقة من غير استغراق وعموم حتى يكون حمل كلام المتكلم بها على خصوص أو عموم كالمناقض لغرضه والمنافي لمراده ألا ترى أن القائل إذا قال فلان يأكل اللحم ويشرب الخمر وضرب الأمير اليوم اللصوص وخاطب الجند لم يفهم من كلامه إلا محض الجنس والطبقة من غير خصوص ولا عموم حتى لو قيل له فلان يأكل جميع اللحم ويشرب جميع الخمر أو بعضها لكان جوابه إنني لم أرد عموما ولا خصوصا وإنما أريد أنه يأكل هذا الجنس من الطعام ويشرب هذا الجنس من الشراب فمن فهم من كلامي العموم أو الخصوص فهو بعيد من فهم مرادي .. وأرى كثيرا من الناس يغلطون في هذا الموضع فيظنون أن الإشارة إلى الجنس من غير إرادة العموم والاستغراق ليست مفهومة حتى يحملوا قول من قال أردت الجنس في كل موضع وهذا بعيد ممن يظنه لأنه كما أن العموم والخصوص مفهومان في بعض بهذه الألفاظ فكذلك الإشارة إلى الجنس والطبقة من غير إرادة عموم ولا خصوص مفهومة مميزة وقد ذكرنا أمثلة ذلك.. فأما قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فأكثر المفسرين حملوه على أن المراد بمن شهد منكم الشهر من كان مقيما في بلد غير مسافر وأبو علي حمله على أن المراد به فمن أدرك الشهر وشاهده وبلغ إليه وهو متكامل الشروط فليصمه ذهب في معنى شهد إلى معنى الادراك والمشاهدة.. وقد طعن قوم على تأويل أبى على وقالوا ليس يحتمل الكلام إلا الوجه الأول وليس الامر على ما ظنوه لان الكلام يحتمل الوجهين معا فإن كان للقول الأول ترجيح ومزية على الثاني من حيث يحتاج في الثاني من الاضمار إلى أكثر مما يحتاج إليه في الأول لان قول الأول لا يحتاج إلى إضمار الإقامة وارتفاع السفر لان قوله تعالى شهد يقتضى الإقامة وإنما يحتاج إلى إضمار باقي الشروط من الامكان والبلوغ وغير ذلك.. وفى القول الثاني يحتاج مع كل ما أضمرناه في القول الأول إلى إضمار الإقامة ويكون التقدير فمن شهد الشهر وهو مقيم مطيق بالغ إلى سائر الشروط فمن هذا الوجه كان الأول أقوى وليس لاحد أن يقول أن شهد بنفسه من غير محذوف لا يدل على إقامة وذلك أن الظاهر من قولهم في اللغة فلان شاهد إذا أطلق ولم يضف أفاد الإقامة في البلد وهو عندهم ضد الغائب
(١٦٢)