تنسياننا تركنا قال أبو علي قطرب بن المستنير معنى النسيان ههنا الترك كما قال تعالى (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى) أي ترك ولولا ذلك لم يكن فعله معصية وكقوله تعالى (نسوا الله فنسيهم) أي تركوا طاعته فتركهم من ثوابه ورحمته وقد يقول الرجل لصاحبه لا تنسني من عطيتك أي لا تتركني منها وأنشد ابن عرفة ولم أك عند الجود للجود قاليا * ولا كنت يوم الروع للطعن ناسيا أي تاركا.. ومما يمكن أن يكون على ذلك شاهدا قوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) أي تتركون أنفسكم.. ويمكن في الآية وجه آخر على أن يحمل النسيان على السهو وفقد المعلوم ويكون وجه الدعاء بذلك ما قد بيناه فيما تقدم من الأمالي من أنه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى وإظهار الفقر إلى مسئلته والاستعانة به وإن كان مأمونا منه المؤاخذة بمثله ويجرى مجرى قوله تعالى في تعليمنا وتأديبنا (لا تحملنا ما لا طاقة لنا به) ومجرى قوله تعالى (قل رب احكم بالحق. ولا تخزني يوم يبعثون) وقوله تعالى حاكيا عن الملائكة (فاغفر للذين تابوا) الآية وهذا الوجه يمكن أيضا في قوله تعالى أو أخطأنا إذا كان الخطأ ما وقع سهوا أو غير عمد فأما على ما يطابق الوجه الأول فقد يجوز أن يريد تعالى بالخطأ ما يفعل من المعاصي بالتأويل السيئ وعن الجهل بأنها معاص لان من قصد شيئا على اعتقاد أنه بصفة فوقع ما هو بخلاف معتقده يقال قد أخطأ فكأنه أمرهم بأن يستغفروا مما تركوه متعمدين من غير سهو ولا تأويل ومما أقدموا عليه مخطئين متأولين.. ويمكن أيضا أن يريد بأخطأنا ههنا أذنبنا أو فعلنا قبيحا وإن كنا له متعمدين وبه عالمين لان جميع معاصينا لله تعالى قد توصف بأنها خطأ من حيث فارقت الصواب وإن كان فاعلها متعمدا فكأنه تعالى أمرهم بأن يستغفروا مما تركوه من الواجبات ومما فعلوه من المقبحات ليشتمل الكلام على جهتي الذنوب والله أعلم بمراده.. أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال أخبرنا محمد بن العباس قال قال رجل يوما لأبي العباس محمد ابن يزيد النحوي ما أعرف ضادية أحسن من ضادية أبى الشيص فقال له كم ضادية حسنة لا تعرفها ثم أنشده لبشار
(٤٤)