(مجلس آخر 80) [تأويل آية]..
إن سأل سائل عن قوله تعالى (وهديناه النجدين) إلي آخر السورة.. فقال ما تأويل هذه الآية وما مغنى ما تضمنته.. الجواب قلنا أما ابتداء الآية فتذكير بنعم الله تعالى عليهم وما أزاح به علتهم في تكاليفهم وما تفضل به عليهم من الآلات التي يتوصلون بها إلى منافعهم ويدفعون بها المضار عنهم لان الحاجة إلى أكثر المنافع الدينية والدنيوية ماسة فالحاجة إلى العينين للرؤية واللسان للنطق والشفتين لحبس الطعام والشراب وامساكهما في الفم والنطق أيضا.. فأما - النجد - في لغة العرب فهو الموضع المرتفع من الأرض والغور الهابط منها وإنما سمى الموضع المرتفع من أرض العرب نجدا لارتفاعه.. واختلف أهل التأويل في المراد بالنجدين فذهب قوم إلى أن المراد بهما طريقا الخير والشر وهذا الوجه روى عن علي بن أبي طالب عليه السلام وابن مسعود والحسن وجماعة من المفسرين.. وروى أنه قيل لأمير المؤمنين علي عليه السلام إن أناسا يقولون في قوله (وهديناه النجدين) إنهما انثديان فقال عليه السلام لا إنهما الخير والشر.. وروى عن الحسن أنه قال بلغني أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال أيها الناس إنهما نجدان نجد الخير ونجد الشر فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير.. وروى عن قوم آخرين أن المراد بالنجدين ثديا الام.. فإن قيل كيف يكون طريق الشر مرتفعا كطريق الخير ومعلوم أنه لاشرف ولا رفعة في الشر قلنا.. قلنا يجوز أن يكون إنما سماه نجدا لظهوره وبروزه لمن كلف اجتنابه ومعلوم أن الطريقتين جميعا بأديان ظاهران ويجوز أيضا أن يكون سمى طريق الشر نجدا من حيث يحصل في اجتناب سلوكه والعدول عنه الشرف والرفعة كما يحصل مثل ذلك في سلوك طريق الخير لان الثواب الحاصل في اجتناب طريق الشر كالثواب في سلوك طريق الخير..
وقال قوم إنما أراد بالنجدين إنا بصرناه وعرفناه ماله وعليه وهديناه إلى الطريق استحقاق الثواب وثنى النجدين على طريق عادة العرب في تثنية الامرين إذا اتفقا في بعض الوجوه وأجرى لفظة أحدهما على الآخر كما قيل في الشمس والقمر والقمران.. قال الفرزدق