وما التوفيق إلا من عند الله العزيز الحكيم (مجلس آخر 69) [تأويل آية].. إن سأل سائل عن تأويل قوله تعالى (ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) الآية.. فقال أوليس ظاهر هذا الكلام يقتضى جواز الحجاب عليه تعالى وأنتم تمنعون من ذلك.. الجواب قلنا ليس في الآية أكثر من ذكر الحجاب وليس فيها أنه حجاب له تعالى ولمحل كلامه أو لمن يكلمه وإذا لم يكن في الظاهر شئ من ذلك جاز صرف الحجاب إلى غيره عز وجل مما يجوز أن يكون محجوبا فقد يجوز إن يريد تعالى بقوله أو من وراء حجاب أنه يفعل كلاما في جسم محتجب عن المتكلم غير معلوم له على سبيل التفصيل فيسمع المخاطب الكلام ولا يعرف محله على طريق التفصيل فيقال على هذا هو متكلم من وراء حجاب.. وروى عن مجاهد في قوله تعالى (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) قال هو داود عليه السلام أوحى في صدره فزبر الزبور أو من وراء حجاب وهو موسى عليه السلام أو ترسل رسولا وهو جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم.. فأما أبو علي الجبائي فإنه ذكر أن المراد بالآية (وما كان لبشر أن يكلمه الله) إلا مثل ما يكلم به عباده من الامر بطاعته والنهى لهم عن معاصيه وتنبيهه إياهم على ذلك من جهة الخاطر أو المنام أو ما أشبه ذلك على سبيل الوحي.. قال وإنما سمي الله ذلك وحيا لأنه خاطر وتنبيه وليس هو كلاما لهم على سبيل الافصاح كما يفصح الرجل منا لصاحبه إذا خاطبه والوحي في اللغة إنما هو ما جرى مجرى الايماء والتنبيه على شئ من غير أن يفصح به فهذا هو معنى ما ذكره الله تعالى في الآية.. قال وعنى بقوله (أو من وراء حجاب) أي يحجب ذلك الكلام عن جميع خلقه إلا من يريد أن يكلمه به نحو كلامه لموسى عليه السلام لأنه حجب ذلك عن جميع الخلق إلا موسى وحده في كلامه إياه أولا فأما كلامه إياه في المرة الثانية فإنه إنما أسمع ذلك موسى عليه السلام والسبعين الذين كانوا معه
(١١٥)