نبيه عليه الصلاة والسلام ومعلوم منهم إظهار التكذيب والعدول عن الاستجابة والتصديق وكيف ينفى عنهم التكذيب ثم يقول إنهم بآيات الله يجحدون وهل الجحد بآيات الله الا تكذيب نبيه عليه الصلاة والسلام.. الجواب قلنا قد ذكر في هذه الآية وجوه.. أولها أن يكون إنما نفى تكذيبهم بقلوبهم تدينا واعتقادا وإن كانوا مظهرين بأفواههم التكذيب لأنا نعلم أنه كان في المخالفين له عليه الصلاة والسلام من يعلم صدقه ولا ينكر بقلبه حقه وهو مع ذلك معاند فيظهر بخلاف ما يبطن.. وقال تعالى (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون).. ومما يشهد لهذه الوجه من طريق الرواية ما رواه سلام بن مسكين عن أبي يزيد المدني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقى أبا جهل فصافحه أبو جهل فقيل له يا أبا الحكم أتصافح هذا الصابئ فقال والله إني لاعلم أنه نبي ولكن متى كنا تبعا لبنى عبد مناف فأنزل الله الآية..
وفى خبر آخر أن الأخنس بن شريق خلا بأبي جهل فقال له يا أبا الحكم أخبرني عن محمد صلى الله عليه وسلم أصداق هو أم كاذب فإنه ليس ههنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا فقال له أبو جهل ويحك والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط ولكن إذا ذهب بنو قصى باللوى والحجابة والسقاية والندوة والنبوة ماذا يكون لسائر قريش .. وعلى الوجه الأول يكون معنى فإنهم لا يكذبونك أي لا يفعلون ذلك بحجة ولا يتمكنون من إبطال ما جئت به ببرهان وإنما يقتصرون على الدعوى الباطلة وهذا في الاستعمال معروف لان القائل يقول فلان لا يستطيع أن يكذبني ولا يدفع قولي وإنما يريد أنه لا يتمكن من إقامة دليل على كذبه ومن حجة على دفع قوله وإن كان يتمكن من التكذيب بلسانه وقلبه فيصير ما يقع من التكذيب من غير حجة ولا برهان غير معتد به .. وروى عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قرأ هذه الآية بالتخفيف فإنهم لا يكذبونك على أن المراد بها أنهم لا يأتون بحق هو أحق من حقك.. وقال محمد بن كعب القرظي معناها لا يبطلون ما في يديك وكل ذلك يقوي هذا الوجه وسنبين أن معنى هذه اللفظة مشددة ترجع إلى معناها مخففة.. والوجه الثاني أن يكون معنى الآية أنهم لا يصدقونك ولا يلفونك متقولا كما يقولون قاتلته فما أجبنته أي لم أجده جبانا