سعداء في حال أخرى وأما تعليق الخلود بدوام السماوات والأرض فقد قيل فيه إن ذلك لم يجعل شرطا في الدوام وإنما علق به على سبيل التبعيد وتأكيد الدوام لان للعرب في مثل هذا عادة معروفة خاطبهم الله تعالى عليها لأنهم يقولون لا أفعل كذا ما لاح كوكب وما أضاء الفجر وما اختلف الليل والنهار وما بل بحر صوفة وما تغنت حمامة ونحو ذلك ومرادهم التأبيد والدوام ويجرى كل ما ذكرناه مجرى قولهم لا أفعل كذا أبدا لأنهم يعتقدون في جميع ما ذكرناه انه لا يزول ولا يتغير وعباراتهم إنما يخرجونها بحسب اعتقاداتهم لا بحسب ما عليه الشئ في نفسه ألا تري أن بعضهم لما اعتقدوا في ا لأصنام أن العبادة تحق لها سموها آلهة بحسب اعتقاداتهم وان لم تكن في الحقيقة كذلك ومما يشهد لمذهبهم الذي حكيناه قول أبي الجويرية العبدي ذهب الجود والجنيد جميعا * فعلي الجود والجنيد السلام أصبحا ثاويين في قعر مرت * ما تغنت على الغصون الحمام وقال الأعشى ألست منتهيا عن نحت أثلتنا * ولست ضائرها ما أطت الإبل (1) وقال الآخر لا أفتأ الدهر أبكيهم بأربعة * ما اجترت النيب أو حنت إلى بلد وقال زهير مبينا عن اعتقاده دوام الجبال وانها لا تفنى ولا تتغير ألا لا أرى على الحوادث باقيا * ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا
(٩)