وليس الغنا إلا غنى زين الفتى * عشية يقرى أو غداة ينيل ولم يفتقر يوما وإن كان معدا * جواد ولم يستغن قط بخيل إذا مالت الدنيا إلى المرء رغبت * إليه ومال الناس حيث يميل أرى علل الدنيا على كثيرة * وصاحبها حتى الممات عليل وإني وإن أصبحت بالموت موقنا * فلى أمل دون اليقين طويل وقد أحسن البحتري في قوله في هذا المعنى أخي متى خاصمت نفسك فاحتشد * لها ومتى حدثت نفسك فاصدق أرى علل الأشياء شتى ولا أرى التجمع إلا علة للتفرق أرى العيش ظلا توشك نقله * فكس في ابتغاء العيش كيسك أومق أرى الدهر غولا للنفوس وإنما * يقى الله في بعض المواطن من يقى فلا تتبع الماضي سؤالك لم مضى * وعرج على الباقي فسائله لم بقي ولم أر كالدنيا خليلة صاحب * محب متى تحسن بعينيه تطلق تراها عنايا وهي صنعة واحد * فتحسبها صنعا لطيف وأخرق .. وقد قيل إن السبب في خروج البحتري عن بغداد في آخر أيامه كان هذه الأبيات لان بعض أعدائه شنع عليه بأنه ثنوى من حيث قال - فتحسبها صنعا لطيف وأخرق - وكانت العامة حينئذ غالبة على البلد فخاف على نفسه فقال لابنه أبى الغوث قم يا بني حتى نطفي عنا هذه الثائرة بخرجة نلم فيها ببلدنا ونعود فخرج ولم يعد.. وأحسن أيضا غاية الاحسان في قوله أغشى الخطوب فإما جئن مأربتي * فيما أسير أو أحكمن تأديبي
(١٣٤)