من الأساورة فلما ساروا إلى كاظمة ونظروا وحشة بلاد المغرب وقلة خيرها قالوا: إلى أين نمضي مع هذا!؟ فعمدوا إلى سم فدفعوه إلى طباخه ووعدوه بالإحسان إليه إن ألقى ذلك السم في طعام الملك، ففعل ذلك فما استقر الطعام في جوفه حتى اشتد وجعه فلما علم الأساورة ذلك دخلوا عليه فقالوا له: إنك قد بلغت إلى هذه الحالة فاكتب لنا إلى الملك كسرى إنك قد أذنت لنا في الرجوع فكتب لهم بذلك ثم إن أبا الجبر خف ما به فخرج إلى الطائف البليدة التي بقرب مكة وكان بها الحارث بن كلدة طبيب - العرب الثقفي فعالجه فأبرأه فأعطاه سمية (بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد - الياء المثناة من تحتها وفي آخره هاء) وعبيدا (بضم العين المهملة تصغير عبد) وكان كسرى قد أعطاهما أبا الجبر في جملة ما أعطاه، ثم ارتحل أبو الجبر يريد اليمن فانتقضت عليه العلة فمات في الطريق ثم إن الحارث بن كلدة الثقفي زوج عبيدا " المذكور سمية المذكورة فولدت سمية زيادا " على فراش عبيد وكان يقال: زياد بن عبيد وزياد بن سمية وزياد بن أبيه وزياد بن أمه وذلك قبل أن يستلحقه معاوية كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وولدت سمية أيضا " أبا بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة المذكور ويقال: نفيع بن مشروح وهو الصحابي المشهور بكنيته رضي الله عنه، وولدت أيضا " شبل بن معبد ونافع بن الحارث وهؤلاء الإخوة الأربعة هم الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - بالزنا وسيأتي خبر ذلك بعد الفراغ من حديث زياد إن شاء الله تعالى.
وكان أبو سفيان صخر بن حرب الأموي والد معاوية بن أبي سفيان يتهم في الجاهلية بالترداد إلى سمية المذكورة فولدت سمية زيادا في تلك المدة ولكنها ولدته على فراش زوجها عبيد، ثم إن زيادا " كبر وظهرت منه النجابة والبلاغة وهو أحد - الخطباء المشهورين في العرب بالفصاحة والدهاء والعقل الكثير حتى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان قد استعمل أبا موسى الأشعري رضي الله عنه على البصرة فاستكتب زيادا " ابن أبيه ثم إن زيادا " قدم على عمر - رضي الله عنه - من عند أبي موسى فأعجب به عمر - رضي الله عنه - فأمر له بألف درهم ثم تذكرها بعدما مضى فقال: