الحقة وبنت اللبون وأقله إذا بلغت مائة وثلثين ولان الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة كسائر الفروض احتج أبو حنيفة بأن النبي صلى الله عليه وآله كتب لعمر بن حازم كتابا ذكر فيه الصدقات والديات وغيرها فذكر فيه أن الإبل إذا زادت على مائة وعشرين استوقفت الفريضة في كل خمس شاة وفي عشر شاتان والجواب عن الأول: أن أحد الخبرين فإذا زادت واحدة، وفي الثاني: فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها ثلث بنات لبون وهذان ينافيان ما ذكره مالك وعن الثاني: بالمنع من الحكم ومنع حكم الأصل كما بينا في الانتقال من خمس وعشرين إلى ست وعشرين وأيضا الانتقال هنا لم يحصل بالواحدة بل بها مع ما قبلها كالواحدة مع التسعين وغيرها، وعن الثالث: أن عمر بن حازم اختلف روايته فقد روى عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حازم اللباب مثل ما قلناه وهو أقرب إلى الأصل والقياس فإن الجنس إذ أوجبت فيه من جنسه لا يجب في غير جنسه وإنما جاز في الابتداء لعدم احتمال وجوب الجنس فيه بخلاف صورة النزاع لزيادة المال وكثرته وأيضا فإنه من حقتين وبنت مخاض بزيادة خمس إلى حقة ثالثة وهي زيادة يسيرة لا تقتضي الانتقال إلى ذلك فإنا لم ننتقل عن بنت مخاض إلى حقة في محل الوفاق لا الزيادة إحدى وعشرين وقد تأول الحديث بأن معنى قوله استوقفت الفريضة أي استقر به على هذين الشيئين وقوله في كل خمس شاة يحتمل أن يكون تفسير الراوي بظنه ذلك.
فروع: [الأول] لو كانت الزيادة على مائة وعشرين نحو من (يغير) لم يتغير به الفرض ولا نعلم فيه خلافا إلا من أبي سعيد الإصطخري فإنه قال الزيادة مغيرة للفرض لأنها مطلقة في الحديث وليس بصحيح لان في الحديث الذي احتج به فإذا زادت واحدة ولان سائر الفروض لا يتغير بالخبر وكذا هنا.
[الثاني] لو اجتمع في مال ما يمكن اخراج الفريضتين كالمائتين يتخير المالك ذهب إليه علماؤنا إن شاء أخرج الحقاق الأربع وإن شاء أخرج خمس بنات لبون وبه قال الشافعي في إحدى القولين وأحمد في إحدى الروايتين وفي القول الآخر للشافعي والرواية الثانية عن أحمد أنه يخرج الحقاق وجوبا وللشافعي قول ثالث أن الساعي يأخذ أحظهما (أنفعهما) للفقراء. لنا: ما رواه الجمهور في قول النبي صلى الله عليه وآله في كتاب الصدقات فإذا كانت مأتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي الصنفين وجدت أخذت وقوله عليه السلام لمعاذ إياك وكرائم أموالهم ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في الحسن عن زيد بن معاوية قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له (انطلق) يا عبد الله وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له ولا تؤثرن دنياك على آخرتك وكن حافظا لما ائتمنتك عليه راعيا لحق الله فيه حتى تأتي بادي بني فلان فإذا قدمت فأنزل بمائهم من غير أن تخالطه (أبنائهم) ثم امض إليه بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ثم قل لهم يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لاخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه فإن قال لك قائل لا فلا تراجعه وإن أنعم لك منعم منهم فانطلق معه من غير أن (تخيفه) أو تعد الأخير فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له فقل يا عبد الله أتأذن لي في دخول مالك فإن أذن لك فلا تدخل دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء فأيهما اختار فلا تعرض له ثم اصدع الثاني صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له ثم لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله تأخذ حق الله في ماله فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه وإن استقالك فأقله ثم اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله من ماله فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشئ منه ثم احدر ما اجتمع عندك من كل (باد) إلينا تصير حيث أمر الله عز وجل فإذا انحدر بها رسولك (فاوعن)؟؟ إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها ولا يفرق بينهما ولا يمصرن لبنها فيضر ذلك بفصيلها ولا يجهد ركوبا وليعد بينهن في ذلك وليوردهن كل ما يمر به ولا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطرق في الساعة التي فيها ريح وتضيق وليرفق بهن جهده حتى تأتينا بإذن الله سبحانه (سمانا) غير متعبات ولا مجهدات فيقسمهن بإذن الله على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله على أولياء الله فإن ذلك أعظم لاجرك وأقرب لرشدك ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك و (نصحتك) لمن بعثك وبعثت في حاجته فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما ينظر الله عز وجل إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة لامامه إلا كان (معنا) في الرفيق الأعلى ولان الامتثال يحصل مع اخراج المالك أي النصفين شيئا فيخرج به عن العهدة ولأنها زكاة ثبت فيها الخيار فكان ذلك للمالك كالخيرة في الخبران بين الشاتين والعشرين درهما وبين النزول أو الصعود وتعيين الفريضة احتج المخالف بقوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه ينفقون) ولان الخيرة ثابتة فتتعلق بالمستحق والثابت كالفعل الموجب للقصاص أو الدية ولان الفرض ينفر بالسين في فرائض الإبل أكثر من يعتبره بالعدد فإن في مئة وستين أربع بنات لبون كلما زاد عشرة زاد شئ ففي مائة وتسعين ثلث حقاق وبنت لبون فإذا زاد عشرة فيجب أن يصير أربع حقاق. والجواب عن الأول:
إنا نأخذ الفرض نصفه المال فيأخذ من الكرائم وغيرها من وسطها فلا يكون خبيثا لان الأدنى ليس بخبيث، وعن الثاني: بالمنع من التخيير في الأصل وبالعفص (بالنقض) بشاة الجبران وقياسنا أولى لان الأصل فيه وبه قصاص، وعن الثالث: أن المئة والتسعين وغيرها مما تقدم لم يوجد إلا عدد الفرض الواجب فيه خاصة وكل موضع يغير الفرض بالسن لقصوره عن إيجاب عدد الفرض يخالف صورة النزاع. [الثالث] قال الشيخ رحمه الله أن يؤخذ أرفع الأسنان يعني الحقاق ولا يتشاغل بكثرة العدد. [الرابع] إذا كان عنده أحد الصنفين يعني للاخراج وإن شاء المالك اشترى النصف الآخر لأنه مخير ولو لم يكن عنده من الصنفين تخير في شراء أيهما كان والأولى أن يشتري الحقاق لأنها أرفع في السن. [الخامس]