الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين وأما أن المأخوذ على البعيد الاستقبال إلى الجهة فلقوله:
(وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) والشطر النحو ولان تكليف الاستقبال إلى غير الكعبة يستلزم إبطال صلاة بعض الصف المتطاول في سمت مستقيم وإبطال صلاة أهل العراق أو خراسان لبعد ما بينهما مع أن قبلتهما واحدة إذ من المستحيل محاذاة كل واحد منهما عين الكعبة احتج الشيخ بالاجماع وبأنه يلزم اما إبطال بعض صلاة الصف المتطاول أو إلزام المأمومين الصلاة خلف الامام كما لو صلى في المسجد واللازم بقسميه باطل بالاجماع وبما رواه عبد الله بن محمد الحجال عن بعض رجال عن أبي عبد الله (ع) ان الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا وعن بشير بن جعفر الجعفي قال سمعت جعفر بن محمد الصادق (عل) يقول: البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة للناس جميعا، والجواب عن الأول: بمنع الاجماع مع ثبوت الخلاف، وعن الثاني: أن الملازمة إنما يتم لو قلنا أن المصلي خارج الحرم يتوجه إلى نفس الكعبة وبنيتها ونحن لا نقول ذلك بل الواجب التوجه إلى جهة الكعبة أي السمت الذي فيه الكعبة وذلك متسع يمكن أن يواري جهة كل مقبل وأيضا والالزام يتجه عليه في الحرم لأنه لم يبلغ في الطول إلى حد يتوجه إليه أهل العراق وخراسان وعن الحديثين بضعف سندهما أما الأول فإنه مرسل، وأما الثاني: فإن راويه كان ابن عقدة وهو زيدي وفي رجاله من لا نعرفه فلا احتجاج. * مسألة: لو صلى المكتوبة في الكعبة تخير في استقبال أي جدرانها وقد اختلف قول الشيخ ها هنا فقال في النهاية والمبسوط والجمل والاستبصار بالكراهية وقال في الخلاف: لا يجوز اختيارا وحكاه عن مالك والأول أقوى. لنا: انه استقبل الجهة وهو المطلوب فيخرج عن العهدة احتج الشيخ بالاجماع وبأن القبلة هي الكعبة للمشاهد فيكون جملتها القبلة لا بعضها والمصلي في جوفها إنما يستقبل بعضها وبما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: لا يصلي المكتوبة في الكعبة. والجواب عن الأول: يمنع الاجماع وكيف يصح ادعاء ذلك منه مع مخالفته فيما ذكرناه من كتبه إلا أن يكون المراد بقوله لا يجوز الكراهية فإنه كثيرا ما يستعمل هذا اللفظ في هذا المعنى، وعن الثاني: بالمنع من كون جملة الكعبة هي القبلة بالنسبة إلى المصلى واحد في وقت واحد بأن استقبال الواحد جملة القبلة البقية محال بل إن يحاذيه ما يساوي بدنه والثاني خارج عن مقابلة وعن الحديث بالمنع من إرادة التحريم فيه بل يحمل على الكراهية. فروع: [الأول] لا بأس بالنوافل جوف الكعبة وهو إجماع بل هي مستحبة لا يفرق فيه مخالفا إلا ما نقل عن محمد بن حريز الطبري. [الثاني] لو كانت الحال حال ضرورة جازت الصلاة جوف الكعبة من غير كراهية وهو إجماع أهل العلم كافة. [الثالث] إذا صلى جوفها اضطرارا أو اختيارا على ما ذهبنا نحن إليه استقبل أي جدرانها شاء وهو قول كل أهل العلم. [الرابع] لو استهدم البيت والعياذ بالله صلى إلى موضعه لأن الاعتبار بالجهة لا بالبينة فإنا لو وضعنا الحيطان في موضع آخر لم يجز الاستقبال إليها إجماعا. [الخامس] لو صلى جوفها وهي مستهدمة أبرز بين يديه بعضها وصلى ولو صلى على طرفها ولم يبرز شيئا لم يصح صلاته وقال الشافعي لا يصح في الموضعين.
لنا: ان المأخوذ عليه الاستقبال إلى جزء الناحية فقد امتثل فيخرج عن العهدة. [السادس] لو صلى جوفها والباب مفتوحة ولا عتبة مرتفعة صحت صلاته أيضا بناء على ما ذكرنا والخلاف مع الشافعي كما ثم. [السابع] لو صلى في المسجد استقبل أي جدران الكعبة شاء ولو صلى في المسجد جماعة فاستطال صف المأمومين حتى خرج بعضهم عن سمت الكعبة فصلاة من خرج عن السمت باطلة. * مسألة: ولو صلى على سطحها أبرز بين يديه منها ولو قليلا وصلى قائما وبه قال أبو حنيفة وقال الشيخ في النهاية والخلاف يصلي مستلقيا متوجها إلى البيت المعهود بالايماء وقال في المبسوط وإن صلى كما يصلى جوفها كانت صلاته ماضية سواء كانت للسطح سترة من نفس البناء أو معرورا فيه وسواء وقف على سطح البيت أو على حائطه إلا أن يقف على طرف الحائطة بحيث لا يبقى بين يديه جزء من البيت لأنه حينئذ يكون مستدبرا لا مستقبلا وهو يوافق في الحقيقة ما ذكرناه نحن لأن جواز القيام يستلزم وجوبه لأنه شرط في الامكان. لنا: ان المأخوذ عليه الصلاة أي الجهة وهو يحصله مع القيام وإبراز البعض فيحصل الامتثال فلا معنى للصلاة بالاستلقاء احتج الشيخ بالاجماع وبما رواه عبد السلام عن الرضا (ع) قال في الذي يدرك الصلاة وهو فوق الكعبة فقال: إن قام لم يكن له قبلة ولكن يستلقي على قفاء ويفتح عينيه إلى السماء ويعقد بقلبه القبلة التي في السماء البيت المعمور ويقرأ فإذا أراد أن يركع غمض عينيه فإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه والسجود على نحو ذلك والجواب على أن الاجماع ممنوع ها هنا خصوصا مع ذكره في المبسوط وأما الرواية فضعيفة رواها إسحاق بن محمد وقد قال النجاشي إسحاق بن محمد معدن التخليط فإن يكون الراوي هو هذا فقد ظهر ضعفه وإلا فهو ضعيف لالتباسه بالمضعف فلا يطرح عموم الامر بالقيام وعموم قوله تعالى: (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) وعموم الامر بالركوع والسجود على وجهها بمثل هذا الحديث الضعيف. فرع: لو صلى على موضع مرتفع أرفع بناء من الكعبة كجبل أبي قبيس إلى جهة القبلة قائما صح قلنا في السطح لان المأخوذ عليه التوجه إلى الجهة بقوله وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ولما رواه الشيخ في الصحيح عن خالد بن أبي إسماعيل قال قلت لأبي عبد الله (ع) الرجل