التيمم القصد فتجب النية وينوي استباحة الصلاة ولا يجوز أن ينوي رفع الحدث لأنه غير رافع وهو مذهب علمائنا أجمع ومالك والشافعي وأكثر أهل العلم ونقل عن أبي حنيفة أنه يرفع الحدث ونقل الشيخ في الخلاف عن داود وبعض أصحاب مالك كمذهب أبي حنيفة. لنا: أنه لو وجد الماء لزمه استعماله لرفع الحدث السابق جنابة كان أو حدثا أصغر أو حيضا ولو كان التيمم مزيلا للحدث لما وجب عليه الغسل لان رؤية الماء لا توجب الغسل وكان يلزم استواء الجميع لاستوائهم في الوجدان ولأنها طهارة ضرورية فلم ترفع الحدث كطهارة المستحاضة ويؤيده رواية عمرو بن العاص فإنه لما حكى النبي صلى الله عليه وآله ما فعل قال له يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فذكر العذر فضحك صلى الله عليه وآله وتسميته جنبا يدل على بقاء الحدث. فروع: [الأول] لو نوى تيمم فريضة فله أن يصلي بها ما شاء من الفرض والنفل سواء نوى فريضة مطلقة فكذلك عنده إلا ما حكى بعض أصحابه عنه أنه لا يجوز أن يستبيح به أكثر من فريضة واحدة ويجوز عنده أن يتيمم بفريضة ويصلي غيرها. [الثاني] لو نوى للفرض جاز أن يتطوع به قبل الفريضة وهذا إنما يصح على رأي من يجوز التيمم قبل التضييق وهو الذي اخترناه في كتابنا هذا وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي ومالك وإن جوز التقديم قبل التضييق إلا أنه قال لا يتطوع قبل الفريضة لصلاة غير راتبة ومثله حكي عن أحمد والشافعي. لنا: أنه تطوع فأبيح له فعله إذا نوى الفرض كالسنن المرتبة ولأنه يصح التطوع بعد الفرض فيصح قبله احتج مالك بأن التطوع تبع للفرض فلا يتقدم متبوعه والجواب أن النية إنما هي في الاستباحة لا في الفعل كالمرتبات من السنن وقراءة القرآن وغيرهما. [الثالث] لو نوى نفلا أو صلاة مطلقة جاز الدخول بها في الفرائض وهو مذهب علمائنا وبه قال أبو حنيفة خلافا للشافعي ومالك وأحمد. لنا: أنه نوى الطهارة فيجب حصولها مع الفعل عملا بقوله (ع) إنما الأعمال بالنيات وبقوله إنما لامرئ ما نوى ولأنها طهارة يصح بها النفل فيصح بها الفرض كالطهارة المائية احتج الشافعي بقوله (ع) الأعمال بالنيات وهو لم ينو الفرض الجواب انه نوى الطهارة فيجب حصولها ولا يشترط جزئيات ما يتوقف عليه الطهارة وإلا لما صح النفل لو نوى الفرض ولما صح قراءة القرآن واللبث في المساجد إلا بطهارات متعددة وهو باطل بالاتفاق. [الرابع] لو نوى استباحة المساجد وكان جنبا أو قراءة العزائم أو مس الكتابة أو الطواف فالأقرب أنه يصح له الدخول في الصلاة لأنه نوى الطهارة لتوقف هذه الأفعال عليها فيجب حصولها فساغت له الصلاة وكذا لو نوى نفلا لطواف استباح فرضه وبالعكس وقال الشافعي وإن نوى النافلة جاز له الدخول في المساجد وقراءة العزائم ووطي الحائض لان الطهارة في النافلة آكد ولو نوى أحد هذه لم تستبح الفريضة وفي استباحة النافلة وجهان. [الخامس] لا يصح تيمم الكافر لأنه لا يصح منه النية. [السادس] يجب نية التقرب لأنه عبادة فشرط فيها الاخلاص ولأنه بدل من الغسل أو الوضوء لاختلافه فيهما فلا يتخصص لأحدهما إلا بنية. [السابع] لو بلغ الصبي المتيمم نفلا لاحدى الصلاة الخمس جاز له الدخول في الصلاة الواجبة لأنه متطهر كما لو كان متطهرا بالماء. [الثامن] يجب استدامتها حكما وتقديمها بأن يأتي بها عند الضرب. [التاسع] لو تيمم لقضاء فريضة فلم يصلها حتى دخل وقت أخرى جاز له أن يصليها به وهو قول أكثر الشافعية وقال بعضهم لا يجوز وإلا لزم أن يتيمم للفريضة قبل دخول وقتها وليس بجيد لأنه إنما يتيمم للغائط (للقضاء) لا بما يدخل وقتها. * مسألة: ويجب مسح الوجه في التيمم بالنص والاجماع وإنما الخلاف في تقديره فأكثر علمائنا على أن حد الوجه هنا من قصاص الشعر إلى طرف الانف اختاره الشيخ في كتبه والمفيد والمرتضى في انتصاره وابن إدريس وأبو الصلاح وقال علي بن بابويه بالاستيعاب كالغسل في الوضوء وهو يلوح من كلام ابن أبي عقيل فإنه قال ولو مسح لبعض وجهه أجزأه بمثله قال سليمان بن داود والجمهور أو حبوا الاستيعاب. لنا: قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم) و " الباء " للتبعيض وقد تقدم ولأنها طهارة ضرورية فلا يجب فيها الاستيعاب ولان استيعاب اليدين عند بعضهم على ما يأتي غير واجب وكذا الوجه لأنه لم يستوعب ثم للتخفيف ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن التيمم فضرب بيده على الأرض ثم رفعها فنفضهما ثم مسح بها جبينيه وكفيه مرة واحدة وروى عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد الله (ع) انه وصف التيمم فضرب بيده على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح على جبينيه وكفيه مرة واحدة ورواه ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) ألا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين فضحك فقال يا زرارة قاله رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل به الكتاب من الله عز وجل قال: (اغسلوا وجوهكم) فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال: (وأيديكم إلى المرافق) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنهما ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ثم فصل بين الكلام فقال: (وامسحوا برؤسكم) فعرفنا حين قال برؤسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان " الباء " ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: (وأرجلكم إلى الكعبين) فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضها ثم فسر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله للناس فيضعوه ثم قال: (فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا وامسحوا بوجوهكم) فلما ان وضع عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم ثم وصل بها (وأيديكم) منه أي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجز
(١٤٥)