الشافعي والليث بن سعيد وأحمد وأبي يوسف ومحمد يصلي على حسب حاله ويعيد وقال مالك يسقط الصلاة أداء وقضاء وهو قول لبعض أصحابنا وقول داود وأنكر ابن عبد البر هذه الرواية عن مالك. لنا: على السقوط قوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) نهى عن القرب للصلاة قبل الاغتسال ومع الفقد التيمم وأيضا فإنه شرط وقد فقد ففقد المشروط ولأنها عبادة لا تسقط القضاء فلم تكن واجبة كصيام الحائض وعلى وجوب القضاء ما يأتي من وجوب قضاء الغائب احتج الشافعي بما رواه مسلم ان النبي صلى الله عليه وآله بعث أناسا لطلب قلادة أصلها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا النبي صلى الله عليه وآله فذكروا له فنزلت آية التيمم ولم ينكر النبي صلى الله عليه وآله ذلك ولا أمرهم بإعادة ولان الطهارة شرط فلم تؤخر الصلاة عند عدمه كالاستقبال احتج أبو حنيفة ومحمد بأنه قد عجز عن الصلاة فتشبه بالمصلين كالعاجز عن الصوم متشبه الصائمين والجواب عن الأول: بأن ذلك قد كان تاما قبل شروع التيمم على تقدير تسليمه ولا يمكن بقاء ذلك التقدير بعد نزول الآية فلم يكن فيها حجة وعن الثاني: بأن الشرط من حقيقة استلزام عدمه عدم المشروط الاستقبال بما سقط بوجود البدل وهو الاستقبال إلى غير القبلة وعن الثالث: بأن التشبه إنما يجوز بما هو مشروع في نفسه وصوم بعض اليوم مشروع في الجملة كالامساك في الحائض إذا طهرت قبل الافطار بخلاف الصلاة بغير طهارة فإنها غير مشروعة احتج مالك بأنه عجز عن الطهارة فلم يجب عليه الصلاة كالحائض وإذا سقطت قضى إذ هو تابع والجواب القضاء إنما يجب بأمر جديد. * مسألة: ولا يجوز التيمم بالتراب المغصوب وكذا الماء المغصوب لا يجوز التطهير به غسلا ووضوءا وهو مذهب علمائنا أجمع خلافا للجمهور. لنا: ان التصرف في مال الغير قبيح عقلا وشرعا والقبيح لا يكون مأمورا به فيبقى في عهدة الامر احتجوا بأنه قد أتى بالغسل والتيمم فكان مجزيا والجواب المأمور به إنما هو الفعل الحسن الخالي عن جهات القبح وذلك غير حاصل في صورة النزاع ولأنه منهي عنه فليستحيل أن يكون مأمورا به وإلا لزم تكليف المحال. أصل: النهي عن الشئ يقتضي الفساد في العبادات خاصة أما الأول فلانه بعد الاثبات بالمنهي عنه يصدق عليه انه غير آت بالمأمور به لان النهي يستحيل أن يكون غير المأمور به لان أقل مراتب الامر رفع الحرج عن الفعل المأمور به قطعا والمنهي عنه هو الذي لم يرفع الحرج عن فعله فالجمع بينهما ممتنع وإن لم يكن آتيا وجب القول بشغل الذمة والبقاء في عهدة الامر وقولهم لو اقتضاه لفظا لاستلزم الوضع أو معنى لاستلزم الالزام وهما منفيان مدفوع بحصول اللزوم إذا النهي دل على مغايرة المأمور به للنهي عنه والنص دل على أن الخروج عن العهدة إنما يحصل بالاثبات بالمأمور به فيحصل من ذلك أن الاتيان بالمنهي عنه لا يقتضي الخروج عن العهدة وقولهم أن النهي قد تعلق بالصلاة في الأماكن المكروهة مع الصحة مدفوع بالمنع من اتحاد متعلقي الصحة والنهي وأما الثاني:
فلانتفاء الدالة اللفظية فيه إذ لفظ النهي إنما يدل على الرجل والعقوبة إذ لا استبعاد في أن يقال نهيتك عن البيع وإن رتبت به حصل الملك فإن عارضوا بالنهي في العبادات قلنا المراد من الفساد ثم عدم الاجزاء ها هنا عند إفادة الاحكام المترتبة على العقد واحدهما غير الآخر قالوا أجمعت الصحابة على فساد الربا بالنهي عنه ولان النهي يقتضي الامر الدال على الاجزاء فيكون دالا على الفساد. قلنا يمنع إسناد الاجماع إلى النهي وكيف يكون كذلك مع أنهم قد حكموا بصحة كثير من المنهيات وعن الثاني: بان المختلفات قد يتساوى في الاحكام سلمنا لكن الامر لما دل على الاجزاء وجب أن يكون نقيضه لا يدل عليه لا أنه يدل على الفساد. فروع: [الأول] لو استعمل المغصوب ماء كان أو ترابا في الطهارة لم يجزيه ووجب عليه الاستيناف ولم يرتفع حدثه لأنه عبادة فالنهي عنها يقتضي الفساد. [الثاني] لو كانت الآنية مغصوبة دون الماء صحت الطهارة لوجود المقتضي وهو الغسل أو التيمم السليم عن معارضة الفساد الناسي بغصبيته ما يتطهر به لا يقال ما ذكرتموه ثم عائد هنا لان استعمال الماء إنما يكون بأخذه من الآنية فهو لا ينفك عن الغصبية فكان منهيا عنه فلم يكن مجزيا لأنا نقول ها هنا تصرفان أحدهما أخذ الماء من الآنية وذلك منهي عنه ولا يتوجه إليه فساد إذ ليس عبادة والثاني: صرف الماء من الأعضاء وذلك غير منهي عنه فكان مجزيا ولقائل أن يقول أنهما وإن تغايرا لكن الثاني ملزوم الأول وفيه بحث. [الثالث] لو اشترى الماء بثمن مغصوب فإن اشتراه بالعين لم يصح الوضوء وإن اشتراه بالذمة صح. * مسألة: ويشترط في التراب أن يكون طاهرا كالماء ولا نعرف فيه مخالفا ويدل عليه قوله تعالى: (صعيدا طيبا) والطيب هو الطاهر. فروع: [الأول] لو أصاب التراب بول أو ماء نجس لم يجز التيمم به وقال داود ان غير رائحته لم يجز وإن لم يغير جاز واعتبره بالماء وهو غلط لقوله تعالى: (صعيدا طيبا) ولان الجامد لا يعتبر فيه التغير كالثوب يصيبه الماء النجس وللفرق بأن للماء قوة الغلبة بخلاف التراب ولأنه لا نقول بالقياس. [الثاني] لو جف هذا التراب بعد ملاقاة البول له فإن كان بالشمس طهر وجاز التيمم منه وإن كان بغيرها لم يطهر وقال الشافعي يجوز أن يصلي عليه ولا يتيمم منه. [الثالث] لا فرق بين قلة النجاسة وكثرتها ولا بين كثرة التراب وقلته بخلاف الماء الكثير ولأنه يستهلك النجاسة. [البحث الثاني] في كيفيته، * مسألة: ويجب فيه النية ولا نعلم فيه خلافا بين علمائنا وممن قال بذلك ربيعة ومالك والليث والشافعي وأبو عبيدة وأبو ثور وأصحاب الرأي وعامة أهل العلم غير ما حكي عن الأوزاعي والحسن بن صالح بن حي أنه يصح بغير نية اعتبارا بإزالة النجاسة والحجة فيه ما تقدم في باب الوضوء وزيادة قوله تعالى: (فتيمموا صعيدا)