الوصف الصالح للعلية يشعر بها خصوصا إذا لم يكن لذكره فائدة إلا لتعليل والحديث الأخير ليس فيه دلالة على الاكتفاء لأنه نكرة إذ الجمل نكرات ولو كان للعموم في كل وقت لم يكن فقدان الماء شرطا وهو منفي بالاجماع احتج أبو حنيفة بقوله تعالى: (فلم تجدوا ماءا فتيمموا) وهو قبل الطلب غير واجد فساغ له التيمم وبقوله (ع) التراب كافيك ما لم تجد الماء ولأنه غير عالم بوجود الماء قريبا منه فأشبه ما لو طلب فلم يجد والجواب عن الأول: ان عدم الوجدان إنما يكون بعد الطلب وقد سبق تقريره وهو الجواب عن الحديث وعن القياس بالفرق فإن مع الطلب يتحقق فقدان الماء الذي هو شرط في الترخص بخلاف ما إذا لم يطلب فإنه غير عالم ولا ظان بوجود الشرط ومع الشك في وجود الشرط لا يتحقق جواز الشرائط. مسألة:
اختلف عبارة الأصحاب في الطلب وحده فقال الشيخ في المبسوط الطلب واجب قبل تضييق الوقت في رحله وعن يمينه وعن يساره وسائر جوانبه رمية سهم أو سهمين إذا لم يكن هناك خوف وقال في النهاية ولا يجوز له في آخر الوقت إلا بعد طلب الماء في رحله وعن يمينه ويساره مقدار رمية أو رميتين إذا لم يكن هناك خوف وأسقط لفظة سائر جوانبه وقال المفيد في المقنعة: ومن فقد الماء فلا يتيمم حتى يدخل وقت الصلاة ثم يطلبه أمامه وعن يمينه وعن شماله مقدار رمية سهمين من كل جهة إن كان الأرض سهلة وإن كانت حزنة طلبه من كل جهة مقدار رمية سهم واحد فزاد ذكر الامام والتفصيل وكلامي الشيخ وإن احتملته إلا أنه ليس بنص فيه وقال أبو الصلاح مثل قول المفيد وقال صاحب الوسيلة فيها وإنما يصح التيمم بعد طلبه قبل التنصيف عن اليمين واليسار مقدار رمية في حزن الأرض ورميتين في سهلها وقال ابن إدريس وجد ما وردت به الروايات وتواتر به النقل في طلبه إذا كانت الأرض سهلة غلوة سهمين وإذا كانت حزنة فغلوة سهم ولم يقدره السيد المرتضى في الجمل ولا الشيخ في الخلاف والجمل بقدر ولم يقف في ذلك إلا على حديث واحد وفي سنده قول ويمكن العمل به لاعتضاده بالشهرة إلا أنه إنما يدل على الطلب غلوة سهمين في السهلة وغلوة في الحزنة وليس فيه تعميم التقدير بالجهات فعلى هذه الرواية يغلب على ظنه جهة الماء ثم يطلبه في تلك الجهة ولو قبل التحري باطل والتخصيص بالبعض ترجيح من غير مرجح ولا بد من الطلب في الجميع ولان كل جهة يجوز أن يكون الماء موجودا فيها فيجب الطلب عندها إذ الموجب للتجويز كان قويا ولان الطلب واجب والأكثر من القدر ضرورية يحصل عليه الظن بالفقد فساغ التيمم معه.
فروع: الأول لو خاف على نفسه أو ماله لو فارق مكانه لم يجب الطلب لان الخوف مسقط للمشروط فالشرط أولى ويؤيده رواية يعقوب بن سالم. الثاني ينبغي له أن يطلب الماء في رحله ثم إن رأى ما يقتضي العادة لوجود الماء عنده كالخضرة قصده وطلب الماء عنده وإن زاد عن المقدر ولو كان بقربه قرية طلبها ولو كان هناك ربوة أتاها والحاصل وجوب الطلب عندما يغلب على الظن وجود الماء معه.
الثالث لو تيقن عدم الماء في الجوانب بأسرها سقط عنه الطلب لان الفائدة تحصيل الماء ومع التيقن بعدمه يجب السقوط وهو أحد وجهي الشافعية وفي الثاني يجب لعموم الآية ولو غلب على ظنه ذلك لم يسقط لجواز كذبه. الرابع لو طلبه حواليه أولا فلم يجده وصلى متيمما ثم حضرت الصلاة الثانية ففي وجوب إعادة الطلب نظرا أقربه الوجوب وللشافعي فيه وجهان وعلتهما ظاهرة. الخامس لو تيقن وجود الماء لزمه السعي إليه ما دام الوقت باقيا والمكنة حاضرة سواء كان قريبا أو بعيدا يمكنه الوصول إليه من غير مشقة وحده الشافعي بما تردد إليه المسافر للرعي والاحتطاب وهو فوق حد يلحقه غوث الرفاق. لنا: ان الطلب واجب ولا سبب لوجوبه إلا تحصيل الماء وهما فمع التيقن يكون أولى. السادس لو توهم قرب الماء منه وجب عليه الطلب ما دام الوقت باقيا لما قلناه. السابع لو كان البعد قد انتهى إلى حيث لا يجد الماء في الوقت لم يجب عليه الطلب حينئذ لعدم فائدته ولو كان بين مرتبتي البعد المذكور والقرب الذي حد الغوث وجب الطلب لما قلناه واختاره الشافعي فيما إذا كان عن يمين المنزل ويساره دون المقصد لان جوانب المنزل منسوبة إليه دون صوب الطريق وهو ضعيف. الثامن لو كان يطلب الماء فظهرت قافلة كثيرة لزمه طلب الماء من جميعهم ما لم يخف فوت الصلاة فيطلبه حينئذ إلى أن يبقى من الوقت قدر الفعل فيتيمم ويصلي وقال بعض الشافعية يطلبه إلى أن يبقى قدر ركعة لادراك الصلاة بإدراكها ولا إثم في التأخير من مصلحة الصلاة. التاسع لو أمر غيره فطلب الماء فلم يجده لم يكتف به لان الخطاب بالطلب للمتيمم فلا يجوز أن يتولى غيره كما لا يجوز له أن يؤممه وللشافعية وجهان. العاشر لو طلب قبل الوقت لم يعتد به وأوجب إعادته لأنه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه كالشفيع لو طلب قبل البيع ولما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أحدهما (ع) قال فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم لا يقال إذا كان قد طلب قبل الوقت ودخل الوقت ولم يتجدد حدوث ما كان طلبه عبثا لأنا نقول إنما يتحقق أنه لم يحدث ما إذا كان ناظرا إلى مواضع الطلب ولم يتجدد فيها بشئ وهذا يجزيه بعد دخول الوقت لان هذا هو الطلب وأما إذا غاب عنه جاز أن يتجدد فيها حدوث الماء فاحتاج إلى الطلب مسألة ويشترط في التيمم دخول الوقت وهو مذهب علمائنا أجمع وبه قال مالك والشافعي وأحمد وداود وقال أبو حنيفة: يصح التيمم قبل وقت الصلاة لنا: قوله تعالى: (فإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) عقب إرادة القيام بالغسل ثم عطف عليه التيمم ولا يصح القيام إلى الصلاة إلا بعد الوقت خرج عنه موضع الاجماع وهو الوضوء فيبقى الباقي على الأصل وما رواه الجمهور عن أبي سعيد ان رجلين خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصلينا ثم وجدا الماء