هلك المال ضمناه. فلم لا يكون ربحه لنا؟ فقال رجل: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضا؟ فقال: قد جعلته قراضا. فأخذ منها رأس المال ونصف الربح فدل على أن القراض كان مستقيضا في الصحابة.
فإن قيل: إذا تسلفا المال من أبي موسى. فكيف يحتجون بذلك على القراض؟
قلنا: موضع الحجة منه: قول الرجل لعمر رضي الله عنه لو جعلته قراضا ولم ينكر عليه عمر، ولا غيره القراض. فإن قيل: إذا كانا قد تسلفا ذلك من أبي موسى، وابتاعا به متاعا. فقد ملكا المال وربحه. فكيف ساغ لعمر أن يجعله قراضا، ويأخذ منهما نصف الربح؟ فتأول أصحابنا ذلك ثلاث تأويلات.
أحدها - وهو تأويل أبي العباس - أن أبا موسى كان قد اجتمع عنده مال لبيت المال، وأراد أن ينفذه إلى المدينة. فخاف عليه غرر الطريق، فأقرضهما ذلك المال، ليكون في ذمتهما أحظ لبيت المال. وقد ملكا المال وربحه، إلا أن عمر أراد أن ينفع المسلمين، فاستدعاهما واستطاب أنفسهما عن نصف الربح، وللعامل أن يفعل كما فعل أبو موسى إذا خاف على المال.
ومن أصحابنا من قال: كان الطريق آمنا، وإنما أقرضهما أبو موسى ليتقرب بذلك إلى قلب أبيهما عمر: فلما تصرفا في المال وربحا كان الربح ملكا للمسلمين. واستحقا أجرة المثل. وبلغت أجرتهما نصف الربح. ولهذا روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال:
كأني بأبي موسى، وهو يقول، ائتيا أمير المؤمنين.
وقال أبو إسحاق: كان أبو موسى أقرضهما ذلك المال ثم قارضهما بعد ذلك.، فخلطا الربح الذي حصل منه. فاستطاب عمر أنفسهما عن نصف الربح. والأول: أصح، لان الدراهم والدنانير لا تجوز إجارتهما للتجارة. فجوز عقد القراض عليها كالنخل لما لم تجز إجارته ليستغل جاز عقد المساقاة عليها. والأرض لما جازت إجارتها لتستغل لم يجز عقد المخابرة عليها.
واحتجوا لهذا العقد بإجماع الصحابة رضي الله عنهم. وبالقياس على المساقاة.
ويشترط في المال المدفوع: أن يكون نقدا، وهو الدراهم والدنانير المضروبة، فلا تجوز على التبر والحلي، والمغشوش والعروض، وأن يكون قدرا معلوما. فلا يجوز على دراهم مجهولة القدر، وأن يكون المال عينا حاضرة. فلا يجوز أن يقارضه على دين له في ذمة الغير. ولا يجوز أن يقارض صاحب الدين المديون بما له في ذمته من الدين، وأن يكون مال القراض مسلما إلى العامل، فلا يجوز أن يشترط كون المال عند المالك،