أنه أخذ منه شيئا، فالقول قوله مع يمينه. وإن أقر، نظر في الوديعة. فإن كانت باقية ردت على صاحبها، ويسقط الضمان عنهما. وإن كانت تالفة، فلصاحبها أن يطالب من شاء من المودع ومن زيد، وأيهما ضمن لم يكن له أن يرجع على الآخر.
الخلاف المذكور في مسائل الباب:
اتفق الأئمة على أن الوديعة من القرب المندوب إليها. وأن في حفظها ثوابا، وأنها أمانة محضة. وأن الضمان لا يجب على المودع إلا بالتعدي، وأن القول قوله في التلف والرد على الاطلاق مع يمينه.
واختلفوا فيما إذا كان قبضها ببينة. فالثلاثة على أنه يقبل قوله في الرد بلا بينة، وقال مالك: لا يقبل إلا ببينة.
وإذا استودع دنانير أو دراهم أنفقها أو أتلفها، ثم رد مثلها إلى مكانه من الوديعة، ثم تلف المردود بغير فعله، فلا ضمان عليه عند مالك. فإن عنده لو خلط دراهم الوديعة أو الدنانير أو الحنطة بمثلها، حتى لا تتميز، لم يكن ضامنا للتلف. وقال أبو حنيفة: إن رده بعينه لم يضمن تلفه. وإن رد مثله لم يسقط عنه الضمان. وقال الشافعي وأحمد: هو ضامن على كل حال بنفس إخراجه، لتعديه. ولا يسقط عنه الضمان، سواء رده بعينه إلى حرزه، أو رد مثله.
وإذا استودع ثوبا أو دابة، فتعدى بالاستعمال، ثم رده إلى موضع آخر. قال القاضي عبد الوهاب، قال مالك: في الدابة إذا ركبها ثم ردها - فصاحبها المودع بالخيار بين أن يضمنه قيمتها، وبين أن يأخذ منه أجرتها، ولم يبين حكمها إن تلفت بعد ردها إلى موضع الوديعة.
ولكن يجئ على قوله: أنه يأخذ الكراء أن يكون من ضمان المودع، وإن أخذ القيمة أن يكون من ضمان المودع. ولم يقل في الثوب: كيف العمل إذا لبسه ولم يبله، ثم رده إلى حرزه، ثم تلف؟ قال: والذي يقوى في نفسي: أن الشئ إذا كان مما لا يوزن ولا يكال، كالدواب والثياب، فاستعمله فتلف: كان اللازم قيمته، لا مثله. فإنه يكون متعديا باستعماله، خارجا عن الأمانة. فرده إلى موضعه ولا يسقط عنه الضمان بوجه. وبه قال الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: إذا تعدى ورده بعينه، ثم تلف. لم يلزمه ضمان.
واتفقوا على أن متى طلبها صاحبها وجب على المودع ردها مع الامكان، وإلا ضمن.