مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٩٩
والتكليف، واتفاق الدين. أما الصفة الأولى فقد استغنى المصنف عن ذكرها بقوله سابقا: وعتيقها يعقله عاقلتها أي لا هي، والخنثى كالمرأة، وإنما لم تعقل المرأة أهليتها للنصرة ولعدم الولاية، فلو بان الخنثى ذكرا هل يغرم حصته التي أداها غيره أو لا؟ وجهان قال في الروضة: لعل أصحهما نعم، ورجحه ابن المقري اعتبارا بما في نفس الامر كما في شاهد النكاح ووليه ورجح البلقيني الثاني قال: لبناء التحمل على الموالاة والمناصرة الظاهرة، وقد كان هذا في ستر الثوب كالأنثى فلا نصرة به اه‍. والأول أوجه لأن النصرة موجودة فيه بالقوة وأما الصفة الثانية فمأخوذة من قوله:
(ولا يعقل فقير) ولو كسوبا لأن العقل مواساة، وليس الفقير من أهلها كنفقة القريب. فإن قيل الفقير تلزمه الجزية، فهلا كان مثل هذا؟ أجيب بأن الجزية موضوعة لحقن الدم ولاقراره في دار الاسلام فصارت عوضا، وأما الصفة الثالثة فمأخوذة من قوله (و) لا يعقل (رقيق) ولو مكاتبا، إذ لا ملك له فلا مواساة، والمكاتب وإن ملك فملكه ضعيف، وليس من أهل المواساة، ولهذا لا تجب عليه الزكاة، وألحق البلقيني المبعض بالمكاتب لنقصه بالرق، وأما الصفة الرابعة فمأخوذة من قوله (و) لا يعقل (صبي و) لا (مجنون) لأن مبنى العقل على النصرة ولا نصرة فيهما لا بالعقل ولا بالرأي، بخلاف الزمن والشيخ الهرم والأعمى فإنهم يتحملون لأنهم ينصرون بالقول والرأي.
تنبيه: ظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين الجنون المتقطع والمطبق، ويحتمل كما قال الأذرعي الوجوب فيما إذا كان يجن في العام يوما واحدا، وليس هو آخر السنة، فإن هذا لا عبرة به. وأما الصفة الخامسة فمأخوذة من قوله (و) لا يعقل (مسلم عن كافر وعكسه) لأنه لا موالاة بينهما ولا توارث فلا مناصرة (ويعقل يهودي عن نصراني وعكسه في الأظهر) كالإرث إذ الكفر كله ملة واحدة، والثاني، لا، لانقطاع الموالاة بينهما.
تنبيه: يتعاقل ذمي ومعاهد إن زادت مدة عهده على مدة الاجل، بخلاف ما إذا نقصت عنها وهو ظاهر أو ساوتها تقديما للمانع على المقتضي، ويكفي في تحمل كل حول على انفراده زيادة مدة العهد عليه. قال الأذرعي:
ومقتضى كلام القاضي وغيره أن ما ذكر من تحمل الذمي ونحوه محله إذا كانوا في دارنا، لأنهم تحت حكمنا، ولا تعاقل بين ذمي وحربي، والمعاهد كالذمي. ثم أخذ المصنف رحمه الله تعالى في كيفية توزيع المضروب على العاقلة فقال: (وعلى الغني) من العاقلة، وهو من يملك فاضلا عما يبقى له في الكفارة عشرين دينارا أو قدرها اعتبارا بالزكاة (نصف دينار) على أهل الذهب، أو قدره دراهم على أهل الفضة، وهو ستة منها، لأن ذلك أول درجة المواساة في زكاة النقد، والزيادة عليه لا ضابط لها (و) على (المتوسط) منهم، وهو من يملك فاضلا عما ذكره من العشرين دينارا أو قدرها، وفوق ربع دينار لئلا يبقى فقيرا. فإن قيل: ينبغي أن يقاس به الغني لئلا يبقى متوسطا. أجيب بأن المتوسط من أهل التحمل بخلاف الفقير (ربع) من دينار أو ثلاثة دراهم، لأنه واسطة بين الفقير الذي لا شئ عليه والغني الذي عليه نصف دينار، ولم نجز إلحاقه بأحد الطرفين لأنه إفراط أو تفريط فتوسط فيه بربع دينار، لأن الناقص عنه تافه بدليل عدم القطع به.
تنبيه: ما ضبطنا به الغني والمتوسط هو ما قاله الإمام وتبعه الغزالي وغيره، ورجحه ابن المقري وضبطه البغوي تبعا للقاضي بالعرف ولا ترجيح في الروضة. قال الإمام: وكون الغني عليه نصف الدينار والمتوسط ربع لا يعرف في ذلك أثر ناص ولا خبر، لكنهم راعوا معنى المواساة ويجب النصف والربع (كل سنة من الثلاث) لأنها مواساة تتعلق بالحول فتكررت بتكرره كالزكاة فجميع ما يلزم الغني في الثلاث سنين دينار ونصف والمتوسط نصف وربع (وقيل هو) أي ما ذكر من نصف أو ربع (واجب الثلاث) أخذا من قول الشافعي رضي الله عنه في الام: أن من كثر ماله يحمل إذا قومت الدية نصف دينار ومن كان دونه ربع دينار لا يزاد على هذا ولا ينقص وعلى هذا يؤدي الغني كل سنة سدس دينار والمتوسط نصف سدس، وعلى الأول لو كثرت العاقلة أو قل الواجب نقص القسط
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548