المصنف إذا لم ينتظم أمر بيت المال كما سبق في الفرائض، ومعلوم أن محله إذا كان ذكرا غير أصل وفرع، فإن انتظم عقل (بيت المال عن) الجاني (المسلم) كما يرثه، ولخبر: أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان. والمسلم يرثه المسلمون، بخلاف الذمي والمرتد والمعاهد فإنه لا يرثهم، وإنما يوضع فيه مالهم فيئا بل تجب الدية في مالهم مؤجلة، فإن ماتوا حلت كسائر الديون.
تنبيه: استثنى من عقل بيت المال اللقيط إذا جنى على نفسه خطأ وفقدت عاقلة قاتله، ففي تعليق الشيخ أبي حامد في باب اللقيط لا يعقل عنه بيت المال، إذ لا فائدة في أخذها منه لتعاد إليه، ومعلوم أن من لا وارث له إلا بيت المال كذلك (فإن فقد) بيت المال بأن لم يوجد فيه شئ، أو لم ينتظم أمره بحيلولة الظلمة دونه أو لم يف (فكله) أي الواجب أو الباقي منه (على الجاني في الأظهر) بناء على أنها تلزمه ابتداء ثم تتحملها العاقلة وهو الأصح كما مر والثاني لا، بناء على أنها تجب عليهم ابتداء. قال البلقيني: وكان ينبغي التعبير بالأصح بدل الأظهر كما في الروضة وأصلها.
تنبيه: أفهم كلامه أن الجاني لا يحمل مع وجود من ذكر، وليس مرادا، بل متى وزع الواجب في السنة الأولى على العاقلة أو بيت المال وفضل شئ منه فهو على الجاني مؤجلا عليه كالعاقلة، وقد يجب عليه في صور أخر منها ما لو جرح ابن عتيقة أبو رقيق شخصا خطأ أو شبه عمد ثم انجر الولاء إلى موالي الأب بعتقه ثم مات الجريح بالسراية فعلى موالي الام أرش الجرح، ثم إن بقي شئ فعلى الجاني لحصول السراية بعد العتق بجناية قبله، لا على موالي أبيه لتقدم سببه على الانجرار ولا على موالي أمه لانتقال الولاء عنهم قبل وجوبه، ولا بيت المال لوجود جهة الولاء بكل حال فإن لم يبق شئ إن ساوى أرش الجرح الدية كأن قطع يديه ثم عتق الأب ثم مات الجريح فعلى موالي الام دية كاملة لأن الجرح حين كان الولاء لهم يوجب هذا القدر، ولو جرحه هذا الجارح ثانيا خطأ عتق أبيه ومات الجريح سراية من الجراحتين لزم موالي الام أرش الجرح الأول ولزم موالي الأب باقي الدية، ومنها ما لو جرح ذمي شخصا خطأ ومات الجريح بالسراية بعد إسلام الذمي فعلى عاقلته الذميين ما يخص الجرح وباقي الدية إن كان عليه، فإن لم يبق شئ كأن قطع رجليه فعلى عاقلته الذميين دية كاملة لما مر في نظيره، ولو جرحه هذا الجارح ثانيا خطأ بعد إسلامه فعلى عاقلته الذميين أرش الجرح الأول وعلى عاقلته المسلمين باقي الدية، ومنها ما لو رمى شخص إلى صيد فأصاب رجلا بعد أن تخللت منه ردة أو إسلام كانت الدية في ماله لا على عاقلته لأن شرط تحملها أن تكون صالحة لولاية النكاح من الفعل إلى الفوات. (وتؤجل على العاقلة) ولو من غير ضرب القاضي (دية نفس كاملة) بإسلام وحرية وذكورية (ثلاث سنين) بنصب ثلاث (في) آخر (كل سنة ثلث) من الدية. أما كونها في ثلاث فلما رواه البيهقي من قضاء عمر وعلي رضي الله عنهما، وعزاه الشافعي في المختصر إلى قضاء النبي (ص). وأما كونها في كل سنة ثلث فتوزيعا لها على السنين الثلاث. وأما كونه في آخر السنة، فقال الرافعي: كان سببه الفوائد كالزرع والثمار تتكرر كل سنة فاعتبر مضيها ليجتمع عندهم ما يتوقعونه فيواسون عن تمكن.
تنبيه: قوله: تؤجل يقتضي أنه لا بد من تأجيل بضرب الحاكم، وليس مرادا قطعا كما بقدرته في كلامه.
والتقييد بالعاقلة يخرج بيت المال والجاني، وليس مرادا أيضا فقد صرح القفال وغيره بأنها إذا وجبت في بيت المال كانت مؤجلة، وصرح الأصحاب بتأجيلها على الجاني إذا وجبت عليه ولا يخالفهم إلا في أمرين: أحدهما أنه يؤخذ منه ثلث الدية عند الحوادث وكل واحد منهم لا يطالب إلا بنصف دينار أو ربع. ثانيهما أنه لو مات في أثناء الحول يحل الاجل على الأصح كسائر الديون المؤجلة، ولو مات واحد من العاقلة لا يؤخذ من تركته شئ لأنها مواساة فتسقط بالموت، والوجوب على الجاني سبيله صيانة الحق من الضياع فلا يسقط كيلا يضيع. ولما كان الأصح عند الأصحاب