بقوله: (و) كل (من توجهت) أي وجبت (عليه يمين) بأن ألزم بها في دعوى صحيحة (لو أقر بمطلوبها) أي الدعوى (لزمه) ذلك المطلوب (فأنكر حلف) بضم أوله بخطه، لخبر: البينة على المدعي واليمين على المنكر رواه البيهقي، وفي الصحيحين خبر: اليمين على المدعى عليه.
تنبيه: قوله: يمين وقع في نسخة المصنف ونسب لسبق القلم، وصوابه دعوى كما في المحرر والشرحين والروضة.
وقوله: فأنكر بين ذلك، لأن الانكار يكون بعد الدعوى لا بعد طلب اليمين، وقد يندفع هذا الاعتراض بما قدرته في كلامه. قال السبكي في الحلبيات: وتعبير المنهاج صحيح، وإنما عدل عن الدعوى إلى اليمين لأنه قد يطلب اليمين من غير دعوى فيما إذا طلب القاذف يمين المقذوف أو وارثه، أي المطالب له أنه ما زنى، فإنه إذا ادعى وطلب اليمين أو طلبها من غير دعوى أجيب إلى تحليفه على الصحيح، إذ له غرض في أن لا يدعي الزنا حتى لا يكون قاذفا ثانيا.
لكن قد يحتاج على هذا أن قوله توجهت عليه بمعنى طلبت منه، قال: لكن قوله بعد فأنكر غير متضح، فإن الانكار يكون بعد الدعوى لا بعد طلب اليمين إلا أن يريد أنه صمم على الانكار اه. ثم إن حلف المقذوف أو وارثه حد القاذف، وإن نكل وحلف القاذف سقط عنه الحد ولم يثبت الزنا بحلفه كما مرت الإشارة إليه في الزنا. وخرج بما لو أقر بمطلوبها لزمه نائب المالك كالوصي والوكيل فلا يحلف لأنه لا يصح إقراره. وعبر في الروضة في ضابط الحلف بأنه كل من يتوجه عليه دعوى صحيحة، ثم حكى ضابط المتن بقيل، قال الزركشي تبعا للسبكي: والظاهر أن الثاني شرح للأول لأن الدعوى الصحيحة تقتضي ذلك فلا اضطراب حينئذ. وما ذكره المصنف ليس ضابطا لكل حالف، فإن اليمين مع الشاهد الواحد لا يدخل فيه ولا يمين الرد ولا إيمان القسامة واللعان وكأنه أراد الحالف في جواب دعوى أصلية، وأيضا فهو غير مطرد لاستثنائهم منه صورا كثيرة أشار في المتن لبعضها بقوله: (ولا يحلف قاض على تركه الظلم) في حكمه، (ولا) يحلف (شاهد أنه لم يكذب) في شهادته لارتفاع منصبهما عن ذلك. واحترزت بقوله: في حكمه عما إذا لم يتعلق بحكمه كدعوى مال وغيره فهو كغيره، ويحكم فيه خليفته أو قاض آخر، وهذه المسألة قد تقدمت في كتاب القضاء.
(ولو قال مدعى عليه: أنا صبي) واحتمل ذلك، (لم يحلف ووقف) أمره في الخصومة (حتى يبلغ) فيدعى عليه. وإن كان لو أقر بالبلوغ في وقت احتماله قبل، لأن حلفه يثبت صباه، وصباه يبطل حلفه، ففي تحليفه إبطال تحليفه. نعم الكافر المسبي المنبت إذا قال: تعجلت العانة حلف وجوبا في الأظهر لسقوط القتل، بناء على أن الانبات علامة للبلوغ، فإن نكل قتل ولو كان دعوى الصبا من غيره، كما إذا ادعى له وليه مالا، وقال المدعى عليه: من تدعي له المال بالغ فللولي طلب يمين المدعى عليه أنه لا يعلمه صغيرا، فإن نكل لا يحلف الولي على صباه. وهل يحلف الصبي؟ وجهان في فتاوى القاضي بناء على القولين في الأسير. ويستثنى مع استثناء المصنف مسائل: منها ما لو علق الطلاق على شئ من أفعال المرأة كالدخول فادعته المرأة وأنكره الزوج، فالقول قوله، فلو طلبت المرأة تحليفه على أنه لا يعلم وقوع ذلك لم يحلف، نعم إن ادعت وقوع الفرقة حلف على نفيها كما نقله الرافعي عن القفال وأقره. ومنها ما إذا ادعت الجارية الوطئ وأمية الولد وأنكر السيد أصل الوطئ، فالصحيح في أصل الروضة أنه لا يحلف. وصوب البلقيني التحليف سواء أكان هناك ولد أم لم يكن، وصوب السبكي حمل ما في الروضة على ما إذا كانت المنازعة لاثبات النسب، فإن كانت لامية الولد ليمتنع من بيعها وتعتق بعد الموت فيحلف. قال: وقد قطعوا بتحليف السيد إذا أنكر الكتابة، وكذا التدبير إذا قلنا إن إنكاره ليس برجوع. ومنها ما لو طلب الإمام الساعي بما أخذه من الزكاة فقال: لم آخذ شيئا لم يحلف وإن كان لو أقر بالأخذ لزمه، حكاه شريح في روضته عن الأصحاب. ومنها ما لو قسم الحاكم المال بين الغرماء فظهر غريم آخر وقال لاحد الغرماء، أنت تعلم وجوب حقي وطلب يمينه لم يلزمه، حكاه الشيخان عن العبادي. ومنها ما لو ادعى من عليه زكاة مسقطا لم يحلف إيجابا مع أنه لو أقر بمطلوب الدعوى لزمه.