مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٣٥٧
ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه فلا تجب كفارة إن حنث. وأجاب المصنف عن خبر: لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين بأنه ضعيف وغيره يحمله على نذر اللجاج. ومحل عدم لزومها بذلك كما قال الزركشي: إذا لم ينو به اليمين كما اقتضاه كلام الرافعي آخرا، فإن نوى به اليمين لزمه الكفارة بالحنث.
تنبيه: أورد في التوشيح إعتاق العبد المرهون. فإن الرافعي حكى عن التتمة أن نذره منعقد إن نفذنا عتقه في الحال أو عند أداء المال، وذكر في الرهن أن الاقدام على عتق المرهون لا يجوز، فإن تم الكلامان كان نذرا في معصية منعقدا. واستثنى غيره ما لو نذر أن يصلي في أرض مغصوبة صح النذر ويصلي في موضع آخر. كذا ذكره البغوي في تهذيبه، وصرح باستثنائه الجرجاني في إيضاحه ولكن جزم المحاملي بعدم الصحة، ورجحه الماوردي وكذا البغوي في فتاويه. وهذا هو الظاهر الجاري على القواعد. وقال الزركشي: إنه الأقرب، ويتأيد بالنذر في الأوقات المكروهة فإنه لا ينعقد على الصحيح. (ولا) يصح نذر (واجب) على العين بطريق الخصوص كما قاله البلقيني:
كالصبح أو صوم أول رمضان لأنه واجب بإيجاب الشرع ابتداء فلا معنى لايجابه، أما واجب العين بطريق العموم فيصح كما إذا نذر الوضوء لكل صلاة، فإذا توضأ لصلاة عن حدث خرج به عن واجب الشرع والنذر كما جزم به في أصل الروضة، أما واجب الكفاية فالأصح لزومه بالنذر كما في أصل الروضة، سواء احتيج فيه إلى بذل مال ومقاساة مشقة كالجهاد وتجهيز الموتى أم لا كصلاة الجنازة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تنبيه: شمل كلامهم الواجب المخبر الذي هو الاحد المبهم وهو ظاهر لأنه في الحقيقة من هذه الجهة واجب عينا، ولو نذر خصلة معينة من خصاله هل ينعقد كفرض الكفاية أو لا ينعقد إلا أعلاها بخلاف العكس أو لا ينعقد بالكلية؟
رجح شيخنا الأول، والزركشي الثاني، وقال: إنه القياس، والقاضي الثالث وهو أوجه، لأن الشارع نص على التخيير فلا يغير. (ولو نذر فعل مباح) كأكل ونوم (أو تركه) كأن لا يأكل الحلوى (لم يلزمه) الفعل ولا الترك لخبر أبي داود: لا نذر إلا فيما ابتغى به وجه الله تعالى، ولخبر البخاري عن ابن عباس: بينما النبي (ص) يخطب إذ رأى رجلا قائما في الشمس فسأل عنه، فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يصوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم، قال: مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه. وأجابوا عن حديث المرأة التي قالت للنبي (ص) حين قدم المدينة:
إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال لها: أوف بنذرك، بأنه لما حصل السرور للمسلمين بقدومه (ص) وأغلظ الكفار، وأرغم المنافقين كان من القرب، ولذلك استحب ضربه في النكاح ليخرج عن معنى السفاح. وفسر في الروضة وأصلها المباح بمالا يرد فيه ترغيب ولا ترهيب، وزاد في المجموع على ذلك: واستوى فعله وتركه شرعا كنوم وأكل، وسواء أقصد بالنوم النشاط على التهجد، وبالاكل التقوى على العبادة أم لا. وإنما لم يصح في القسم الأول كما اختاره الأذرعي وصوبه الزركشي لأن الفعل غير مقصود والثواب على القصد لا الفعل، وأما النكاح فقد مر في بابه أنه لا يلزم بالنذر وجرى عليه ابن المقري هنا، وإن خالف فيه بعض المتأخرين إذا كان مندوبا.
وفي فتاوى الغزالي إن قول البائع للمشتري إن خرج المبيع مستحقا فلله علي أن أهبك ألفا لغو لأن المباح لا يلزم بالنذر لأن الهبة وإن كانت قربة في نفسها إلا أنها على هذا الوجه ليست قربة ولا محرمة فكانت مباحة كذا قاله ابن المقري، والأوجه كما قال شيخنا انعقاد النذر وأي فرق بينه وبين قوله: إن فعلت كذا فلله علي أن أصلي ركعتين؟. ثم استدرك على عدم لزوم نذر المباح بقوله (لكن إن خالف لزمه كفارة يمين على المرجح) في المذهب كما في المحرر لأنه نذر في غير معصية الله تعالى. لكن الأصح كما في الروضة والشرحين وصوبه في المجموع أنه كفارة فيه لعدم انعقاده. فإن قيل: يوافق الأول ما في الروضة وأصلها من أنه لو قال: إن فعلت كذا فلله علي أن أطلقك أو أن آكل الخبز، أو لله علي أن أدخل الدار فإن عليه كفارة في ذلك عند المخالفة. أجيب بأن الأولين في نذر اللجاج وكلام المتن في نذر التبرر وأما الأخيرة فلزوم الكفارة فيها من حيث اليمين لا من حيث النذر.
(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548