ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه فلا تجب كفارة إن حنث. وأجاب المصنف عن خبر: لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين بأنه ضعيف وغيره يحمله على نذر اللجاج. ومحل عدم لزومها بذلك كما قال الزركشي: إذا لم ينو به اليمين كما اقتضاه كلام الرافعي آخرا، فإن نوى به اليمين لزمه الكفارة بالحنث.
تنبيه: أورد في التوشيح إعتاق العبد المرهون. فإن الرافعي حكى عن التتمة أن نذره منعقد إن نفذنا عتقه في الحال أو عند أداء المال، وذكر في الرهن أن الاقدام على عتق المرهون لا يجوز، فإن تم الكلامان كان نذرا في معصية منعقدا. واستثنى غيره ما لو نذر أن يصلي في أرض مغصوبة صح النذر ويصلي في موضع آخر. كذا ذكره البغوي في تهذيبه، وصرح باستثنائه الجرجاني في إيضاحه ولكن جزم المحاملي بعدم الصحة، ورجحه الماوردي وكذا البغوي في فتاويه. وهذا هو الظاهر الجاري على القواعد. وقال الزركشي: إنه الأقرب، ويتأيد بالنذر في الأوقات المكروهة فإنه لا ينعقد على الصحيح. (ولا) يصح نذر (واجب) على العين بطريق الخصوص كما قاله البلقيني:
كالصبح أو صوم أول رمضان لأنه واجب بإيجاب الشرع ابتداء فلا معنى لايجابه، أما واجب العين بطريق العموم فيصح كما إذا نذر الوضوء لكل صلاة، فإذا توضأ لصلاة عن حدث خرج به عن واجب الشرع والنذر كما جزم به في أصل الروضة، أما واجب الكفاية فالأصح لزومه بالنذر كما في أصل الروضة، سواء احتيج فيه إلى بذل مال ومقاساة مشقة كالجهاد وتجهيز الموتى أم لا كصلاة الجنازة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تنبيه: شمل كلامهم الواجب المخبر الذي هو الاحد المبهم وهو ظاهر لأنه في الحقيقة من هذه الجهة واجب عينا، ولو نذر خصلة معينة من خصاله هل ينعقد كفرض الكفاية أو لا ينعقد إلا أعلاها بخلاف العكس أو لا ينعقد بالكلية؟
رجح شيخنا الأول، والزركشي الثاني، وقال: إنه القياس، والقاضي الثالث وهو أوجه، لأن الشارع نص على التخيير فلا يغير. (ولو نذر فعل مباح) كأكل ونوم (أو تركه) كأن لا يأكل الحلوى (لم يلزمه) الفعل ولا الترك لخبر أبي داود: لا نذر إلا فيما ابتغى به وجه الله تعالى، ولخبر البخاري عن ابن عباس: بينما النبي (ص) يخطب إذ رأى رجلا قائما في الشمس فسأل عنه، فقالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يصوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم، قال: مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه. وأجابوا عن حديث المرأة التي قالت للنبي (ص) حين قدم المدينة:
إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال لها: أوف بنذرك، بأنه لما حصل السرور للمسلمين بقدومه (ص) وأغلظ الكفار، وأرغم المنافقين كان من القرب، ولذلك استحب ضربه في النكاح ليخرج عن معنى السفاح. وفسر في الروضة وأصلها المباح بمالا يرد فيه ترغيب ولا ترهيب، وزاد في المجموع على ذلك: واستوى فعله وتركه شرعا كنوم وأكل، وسواء أقصد بالنوم النشاط على التهجد، وبالاكل التقوى على العبادة أم لا. وإنما لم يصح في القسم الأول كما اختاره الأذرعي وصوبه الزركشي لأن الفعل غير مقصود والثواب على القصد لا الفعل، وأما النكاح فقد مر في بابه أنه لا يلزم بالنذر وجرى عليه ابن المقري هنا، وإن خالف فيه بعض المتأخرين إذا كان مندوبا.
وفي فتاوى الغزالي إن قول البائع للمشتري إن خرج المبيع مستحقا فلله علي أن أهبك ألفا لغو لأن المباح لا يلزم بالنذر لأن الهبة وإن كانت قربة في نفسها إلا أنها على هذا الوجه ليست قربة ولا محرمة فكانت مباحة كذا قاله ابن المقري، والأوجه كما قال شيخنا انعقاد النذر وأي فرق بينه وبين قوله: إن فعلت كذا فلله علي أن أصلي ركعتين؟. ثم استدرك على عدم لزوم نذر المباح بقوله (لكن إن خالف لزمه كفارة يمين على المرجح) في المذهب كما في المحرر لأنه نذر في غير معصية الله تعالى. لكن الأصح كما في الروضة والشرحين وصوبه في المجموع أنه كفارة فيه لعدم انعقاده. فإن قيل: يوافق الأول ما في الروضة وأصلها من أنه لو قال: إن فعلت كذا فلله علي أن أطلقك أو أن آكل الخبز، أو لله علي أن أدخل الدار فإن عليه كفارة في ذلك عند المخالفة. أجيب بأن الأولين في نذر اللجاج وكلام المتن في نذر التبرر وأما الأخيرة فلزوم الكفارة فيها من حيث اليمين لا من حيث النذر.