ونص البويطي: يقتضي أنه لا يصح ولا يلزمه شئ، فلو كان ذلك في نذر التبرر كأن قال: إن شفي الله مريضي فعلي نذر، أو قال ابتداء: فلله علي نذر لزمه قربة من القرب والتعيين إليه كما ذكره البلقيني. (و) الضرب الثاني (نذر تبرر) وهو تفعل من البر، سمي بذلك لأن الناذر طلب به البر والتقرب إلى الله تعالى، وهو نوعان كما في المتن. أحدهما نذر المجازاة وهو المعلق بشئ (بأن يلتزم) الناذر (قربة إن حدثت) له (نعمة أو ذهبت) عنه (نقمة كإن شفي مريضي) أو ذهب عني كذا (فلله علي أو فعلي كذا) من عتق أو صوم أو نحوه (فيلزمه ذلك إذا حصل المعلق عليه) لقوله تعالى: * (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) * وقد ذم الله أقواما عاهدوا ولم يوفوا فقال: * (ومنهم من عاهد الله) * الآية، وللحديث المار: من نذر أن يطيع الله فليطعه.
تنبيه: أطلق المصنف النعمة، وخصصها الشيخ أبو محمد بما يحصل على نذور، فلا يصح في النعم المعتادة كما لا يستحب سجود الشكر لها. قال الإمام: ووافقه طائفة من الأصحاب، لكن القاضي الحسين طرده في كل مباح وهو أفقه اه.
وخرج بالحدوث استمرار النعمة وهو قياس سجود الشكر كما قاله الزركشي، وهذا يؤيد ما قاله الشيخ أبو محمد. ويجوز تقديم المنذور على حصول المعلق عليه إن كان ماليا كما قالاه في الباب الثاني من أبواب الايمان، وإن كانا صححا عدم الجواز في باب تعجيل الزكاة.
فرع: لو نذر شيئا إن شفى الله مريضه فشفي، ثم شك هل نذر صدقة أو عتقا أو صلاة أو صوما؟ قال البغوي في فتاويه: يحتمل أن يقال عليه الاتيان بجميعها كمن نسي صلاة من الخمس، ويحتمل أن يقال: يجتهد بخلاف الصلاة لأنا تيقنا هناك وجوب الكل عليه فلا يسقط إلا باليقين، وهنا تيقنا أن الجميع لم يجب عليه إنما وجب شئ واحد، واشتبه فيجتهد كالأواني والقبلة اه. وهذا أوجه. ثم شرع في النوع الثاني من الضرب الثاني بقوله: (وإن لم يعلقه) الناذر (بشئ كلله) أي كقوله ابتداء الله (على صوم أو حج أو غير ذلك لزمه) ما التزمه (في الأظهر) لعموم الأدلة المتقدمة، والثاني لا لعدم العوض.
تنبيه: لو علق النذر بمشيئة الله تعالى أو مشيئة زيد لم يصح، وإن شاء زيد لعدم الجزم اللائق بالقرب. نعم إن قصد بمشيئة الله التبرك أو وقع حدوث مشيئة زيد نعمة مقصودة كقدوم زيد في قوله: إن قدم زيد فعلي كذا فالوجه الصحة كما صرح به الأذرعي في الأولى وشيخنا في الثانية.
فائدة: الصيغة إن احتملت نذر اللجاج ونذر التبرع رجع فيها إلى قصد الناذر، فالمرغوب فيه تبرر والمرغوب عنه لجاج، وضبطوا ذلك بأن الفعل إما طاعة أو معصية أو مباح والالتزام في كل منها تارة يتعلق بالاثبات وتارة بالنفي فالاثبات في الطاعة كقوله: إن صليت فعلي كذا يحتمل التبرر بأن يريد إن وفقني الله للصلاة فعلي كذا، واللجاج بأن يقال له: صل، فيقول: لا أصلي وإن صليت فعلي كذا، والنفي في الطاعة كقوله وقد منع من الصلاة: إن لم أصل فعلي كذا لا يتصور إلا لجاجا فإنه لا يبر في ترك الطاعة، والاثبات في المعصية كقوله وقد أمر بشرب الخمر: إن شربت الخمر فعلي كذا يتصور لجاجا فقط والنفي في المعصية كقوله: إن لم أشرب الخمر فعلي كذا يحتمل التبرر بأن يريد إن عصمني الله من الشرب فعلي كذا، واللجاج بأن يمنع من الشرب، فيقول: إن لم أشرب فعلي كذا يريد إن أعانني الله على كسر شهوتي فعلي كذا، وفي الاثبات كقوله: إن أكلت كذا فعلي كذا يريد إن يسر الله لي فعلي كذا.
واللجاج في النفي كقوله: وقد منع من أكل الخبز إن لم آكله فعلي كذا، وفي الاثبات كقوله وقد أمر بأكله: وإن أكلته فعلي كذا. ثم شرع في الركن الثالث وهو المنذور وبين حكمه بقوله: (ولا يصح نذر معصية) كالقتل والزنا وشرب الخمر لحديث: لا نذر في معصية الله تعالى رواه مسلم، ولخبر البخاري المار: من نذر أن يطيع الله فليطعه