لا قربة ولا مكره لخبر: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولا ممن لا ينفذ تصرفه فيما ينذره كنذر السفيه القرب المالية لعينيه كعتق هذا العبد، ويصح من المحجور عليه بسفه أو فلس في القرب البدنية ولا حجر عليهما في الذمة فيصح نذرهما المالي فيهما لأنهما إنما يؤديان بعد فك الحجر عنهما، ويصح نذر الرقيق المال في ذمته ولو بغير إذن سيده كما اقتضاه كلامهم. فإن قيل: ينبغي أن لا يصح كما قاله ابن الرفعة كما لا يصح ضمانه في ذمته بغير إذن سيده.
أجيب بأن المغلب في النذر حق الله تعالى إذ لا يصح إلا في قربة بخلاف الضمان والأصح انعقاد نذره الحج. قال ابن الرفعة: ويشبه أن غير الحج كذلك، وأما الصيغة فيشترط فيها لفظ يشعر بالتزام فلا ينعقد بالنية كسائر العقود وتنعقد بإشارة الأخرس المفهمة وينبغي كما قال شيخنا انعقاده بكناية الناطق مع النية. قال الأذرعي: وهو أولى بالانعقاد بها مع البيع. (وهو) أي النذر (ضربان) أحدهما (نذر لجاج) بفتح أوله بخطه، وهو التمادي في الخصومة، وسمي بذلك لوقوعه حال الغضب، ويقال له يمين اللجاج، والغضب ويمين الغلق ونذر الغلق بفتح الغين واللام، والمراد به ما خرج مخرج اليمين بأن يقصد الناذر منع نفسه أو غيرها من شئ أو يحث عليه أو يحقق خيرا أو غضبا بالتزام قربة (كان كلمته) أي زيدا مثلا، أو إن لم أكلمه، أو إن لم يكن الامر كما قلته (فلله علي) أو فعلي (عتق أو صوم) أو نحوه كصدقة وحج وصلاة (وفيه) عند وجود المعلق عليه (كفارة يمين) لقوله (ص): كفارة النذر كفارة يمين رواه مسلم. ولا كفارة في نذر التبرر قطعا فتعين أن يكون المراد به اللجاج وروى ذلك عن عمر وعائشة وابن عباس وابن عمر وحفصة وأم سلمة رضي الله عنهم (وفي قول) يجب على الناذر في (ما التزم) لقوله (ص) : من نذر وسمى فعليه ما سمى ولأنه التزم عبادة عند مقابلة شرط فتلزمه عند وجوده (وفي قول أيهما) أي الامرين (شاء) أي الناذر فيختار واحدا منهما من غير توقف على قوله اخترت، حتى لو اختار معينا منهما لم يتعين وله العدول إلى غيره (قلت) هذا (الثالث) كما قال الرافعي في الشرح (أظهر، ورجحه العراقيون) بل لم يورد أبو الطيب منهم غيره (والله أعلم) لأنه يشبه النذر من حيث أنه التزام قربة، واليمين من حيث المنع، ولا سبيل إلى الجمع بين موجبيهما ولا إلى تعطيلهما فوجب التخيير.
تنبيه: قضية قول المصنف فلله علي عتق أو صوم أن نذر اللجاج لا بد فيه من التزام قربة وبه صرح في المحرر، لكن الصحيح في أصل الروضة فيما لو قال: إن دخلت الدار فلله علي أن آكل الخبز في صور اللجاج، وأنه يلزمه كفارة يمين، لكن هنا إنما يلزمه كفارة يمين فقط، لأنه إنما يشبه اليمين لا النذر، لأن المعلق غير قربة، ومثل بالعتق والصوم ليفهم أنه لا فرق في الملتزم بين المالي والبدني، والعتق لا يحلف به إلا على وجه التعليق والالتزام كقوله:
إن فعلت كذا فعلي عتق فتجب الكفارة ويتخير بينها وبين ما التزمه، فلو قال: العتق يلزمني لا أفعل كذا ولم ينو التعليق لم يكن يمينا، فلو قال: إن فعلت كذا فعبدي حر ففعله عتق العبد قطعا، أو قال: والعتق أو والطلاق بالجر لا أفعل كذا لم تنعقد يمينه ولا حنث عليه إن فعله، وتعبيره بأو ليس بقيد بل لو عطف بالواو فقال: إن كلمته فلله علي صوم وعتق وحج وأوجبنا الكفارة فواحدة على المذهب، أو الوفاء بما التزمه لزمه الكل. (ولو قال: إن دخلت) الدار (فعلي كفارة يمين، أو) كفارة (نذر لزمته كفارة بالدخول) في الصورتين وهي كفارة يمين. أما الأولى فبالاتفاق تغليبا لحكم اليمين، وأما الثانية فلخبر مسلم السابق. واحترز بقوله فعلي كفارة يمين عما إذا قال فعلي يمين فإنه يكون لغوا على الأصح لأنه لم يأت بصيغة النذر ولا الحلف، وليست اليمين مما يلتزمه في الذمة.
تنبيه: قوله أو نذر معطوف على يمين كما قدرت كفارة في كلامه، ولا يصح أن يكون معطوفا على كفارة كما توهمه بعضهم، نبه عليه شيخنا في شرح منهجه، فإنه لو قال: فعلي نذر صح ويتخير بين قربة وكفارة يمين،