مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٢٢٦
وهو الغلبة دائر مع القوة والضعف لا مع العدد فيتعلق الحكم به، والخلاف جار في عكسه وهو فرار مائة من ضعفائنا عن مائة وتسعين من أبطالهم. ووقع في الروضة من ضعفائهم، ونسب لسبق القلم. قال الماوردي والروياني: تجوز الهزيمة من أكثر من المثلين وإن كان المسلمون فرسانا والكفار رجالة، ويحرم من المثلين وإن كانوا بالعكس.
قال في زيادة الروضة: وفيه نظر، ويمكن تخريجه على الوجهين السابقين: أي الضعفاء مع الابطال في أن الاعتبار بالمعنى أو بالعدد، وهذا هو الظاهر وإن قال البلقيني: ما صححه من إدارة الحال على المعنى مخالف لظواهر نصوص الشافعي التي احتج عليها بظاهر القرآن.
فرع: إذا زادت الكفار على الضعف ورجى الظفر بأن ظنناه إن ثبتنا استحب لنا الثبات، وإن غلب على ظننا الهلاك بلا نكاية وجب علينا الفرار، لقوله تعالى * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * أو بنكاية فيهم استحب لنا الفرار. (وتجوز) بلا ندب وكره (المبارزة) وهي ظهور اثنين من الصفين للقتال، من البروز وهو الظهور فهي مباحة لنا لأن عبد الله بن رواحة وابن عفراء رضي الله تعالى عنهم بارزوا يوم بدر ولم ينكر عليهم رسول الله (ص) (فإن طلبها كافر استحب الخروج إليه) أي لمبارزته لما في الترك من الضعف للمسلمين والتقوية للكافرين (وإنما تحسن). أي تندب المبارزة بشرطين: أحدهما كونها (ممن) أي شخص (جرب نفسه) بأن عرف منها القوة والجراءة، وإلا فتكره له ابتداء وإجابة (و) للشرط الثاني كونها (بإذن الإمام) أو أمير الجيش لأن للإمام نظرا في تعيين الابطال، فإن بارز بغير إذنه جاز مع الكراهة. قال الماوردي: ويعتبر في الاستحباب أن لا يدخل بقتله ضرر علينا بهزيمة تحصل لنا لكونه كبيرنا. قال البلقيني وغيره: وأن لا يكون عبدا ولا فرعا ولا مديونا مأذونا لهم في الجهاد من غير تصريح بالاذن في البراز وإلا فيكره لهم.
تنبيه: لو تبارز مسلم وكافر بشرط أن لا يعين المسلمون المسلم ولا الكافرون الكافر إلى انقضاء القتال، أو كان عدم الإعانة عادة فقتل الكافر المسلم أو ولى أحدهما منهزما أو أثخن الكافر جاز لنا قتله لأن الأمان كان إلى انقضاء الحرب وقد انقضى، وإن شرط أن لا نتعرض للثخن وجب الوفاء بالشرط، وإن شرط الأمان إلى دخوله الصف وجب الوفاء به، وإن فر المسلم عنه فتبعه ليقتله أو أثخنه الكافر منعناه من قتله وقتلنا الكافر وإن خالفنا شرط تمكينه من إثخانه لنقضه الأمان في الأولى، وانقضاء القتال في الثانية، فإن شرط له التمكين من قتله فهو شرط باطل لما فيه من الضرر، وهل يفسد أصل الأمان أو لا؟ وجهان: أوجههما الأول. فإن أعانه أصحابه قتلناهم وقتلناه أيضا إن لم يمنعهم.
أما إذا لم يشرط عدم الإعانة ولم تجربه عادة فيجوز قتله مطلقا، ويكره نقل رؤوس الكفار ونحوها من بلادهم إلى بلادنا، لما روى البيهقي أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه أنكر على فاعله وقال: لم يفعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما روي من حمل رأس أبي جهل فقد تكلموا في ثبوته، وبتقدير ثبوته إنما حمل من موضع إلى موضع، لا من بلد إلى بلد وكأنهم فعلوه لينظر الناس إليه فيتحققوا موته. نعم إن كان في ذلك نكاية للكفار لم يكره كما قاله الماوردي والغزالي، وإن قال الرافعي لم يتعرض له الجمهور. (ويجوز) لنا (إتلاف بنائهم) بالتخريب (وشجرهم) بالقطع وغيره، وكذا كل ما ليس بحيوان (لحاجة القتال والظفر بهم) لقوله تعالى * (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) * وسبب نزولها أنه (ص): أمر بقطع نخل بنى النضير فقال واحد من الحصن: إن هذا لفساد يا محمد، وإنك تنهى عن الفساد فنزلت رواه الشيخان من حديث ابن عمر، فإن توقف الظفر على إتلاف ذلك وجب كما قطع به الماوردي وغيره (وكذا) أيجوز إتلافها (إن لم يرج) أي يظن (حصولها) أي الأبنية والأشجار (لنا ) مغايظة لهم وتشديدا عليهم. قال تعالى * (ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار) * الآية، وقال تعالى: * (يخربون بيوتهم
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548