من شرع في تعلم علم لا يلزمه إتمامه، وإن أنس من نفسه الرشد فيه لأن الشروع لا يغير حكم المشروع فيه غالبا. قال الأذرعي: والمختار لزوم اتمامه لأنه تلبس بفرض، ولو شرع لكل شارع في علم الشريعة الاعراض عنه لأدى ذلك إلى إضاعة العلم، وأجاب السبكي عن القياس على الجهاد بأن المشتغل بالعلم له باعث نفسي عمن يحثه على دوام الاشتغال به لمحبة ثمرته والمقاتل ميلة إلى الحياة يباعده عن ذلك لكراهة الموت وشدة سكراته، فوكل المشتغل بالعلم إلى محبته لأنه منهوم لا يشبع، وكلف المقاتل بالثبات عند الممات الذي منه يفزع، ولذلك قال (ص) مداد العلماء أفضل من دم الشهداء.
ثم شرع المصنف في الحال (الثاني) من حالي الكفار، وهو ما تضمنه قوله: (يدخلون بلدة لنا) أو ينزلون على جزائر أو جبل في دار الاسلام ولو بعيدا عن البلد (فيلزم أهلها الدفع بالممكن) منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين، وقيل كفاية. واعتمده البلقيني: وقال إن نص الشافعي يشهد له (فإن أمكن) أهلها (تأهب) استعدادا (لقتال وجب) على كل منهم (الممكن) أي الدفع للكفار بحسب القدرة (حتى على فقير) بما يقدر عليه (وولد ومدين) وهو من عليه دين (وعبد بلا إذن) من أبوين ورب دين ومن سيد، وينحل الحجز عنهم في هذه الحالة، لأن دخولهم دار الاسلام خطب عظيم لا سبيل إلى إهماله فلا بد من الجد في دفعه بما يمكن، وفي معنى دخولهم البلدة ما لو أطلوا عليها. والنساء كالعبيد إن كان فيهن دفاع، وإلا فلا يحضرن. قال الرافعي: ويجوز أن لا تحتاج المرأة إلى إذن الزوج (وقيل: إن حصلت مقاومة بأحرار اشترط) في عبد (أذن سيده) لأن في الأحرار غنية عنهم واعتمده البلقيني وقال: هو مقتضى نص الشافعي. والأصح في الشرح والروضة الأول لتقوى القلوب وتعظم الشوكة وتشتد النكاية في الكفار انتقاما من هجومهم (وإلا) بأن لم يمكن أهل البلدة التأهب لقتال بأن هجم الكفار عليهم بغتة (فمن قصد) من المكلفين ولو عبدا، أو امرأة، أو مريضا أو نحوه دفع عن نفسه الكفار (بالممكن) له (إن علم أنه إن أخذ قتل) بضم أولهما (وإن جوز) المكلف المذكور (الأسر ) والقتل (فله) أن يدفع عن نفسه، و (أن يستسلم) لقتل الكفار إن كان رجلا لأن المكافحة حينئذ استعجال للقتل والأسر يحتمل الخلاص هذا إن علم أنه إن امتنع من الاستسلام قتل، وإلا امتنع عليه الاستسلام. أم المرأة فإن علمت امتداد الأيدي إليها بالفاحشة فعليها الدفع وإن قتلت لأن الفاحشة لا تباح عند خوف القتل وإن لم تمتد الأيدي إليها بالفاحشة الآن، ولكن توقعتها بعد السبي احتمل جواز استسلامها ثم تدفع إذا أريد منها. ذكر ذلك في الروضة كأصلها، ثم ما مر حكم أهل بلدة دخلها الكفار، وأشار لغيرهم بقوله (ومن هو دون مسافة قصر من البلدة) التي دخلها الكفار حكمه (كأهلها) فيجب عليهم المضي إليهم إن وجدوا زادا، ولا يعتبر المركوب لقادر على المشي على الأصح، هذا إن لم يكن في أهل البلد التي دخلوها كفاية، وكذا إن كان في الأصح لأنهم كالحاضرين معهم، وليس لأهل البلدة ثم الأقربين فالأقربين إذا قدروا على القتال أن يلبثوا إلى لحوق الآخرين (ومن) أي والذين هم (على المسافة) للقصر فأكثر (يلزمهم) في الأصح إن وجدوا زادا ومركوبا (الموافقة بقدر الكفاية إن لم يكف أهلها ومن يليهم) دفعا عنهم وإنقاذا لهم.
تنبيه: أشار بقوله بقدر الكفاية إلى أنه لا يجب على الجميع الخروج، بل إذا صار إليهم قوم فيهم كفاية سقط الحرج عن الباقين. (قيل: وإن كفوا) أي أهل البلد ومن يليهم يلزم من كان على مسافة القصر موافقتهم مساعدة