مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٢١٩
من شرع في تعلم علم لا يلزمه إتمامه، وإن أنس من نفسه الرشد فيه لأن الشروع لا يغير حكم المشروع فيه غالبا. قال الأذرعي: والمختار لزوم اتمامه لأنه تلبس بفرض، ولو شرع لكل شارع في علم الشريعة الاعراض عنه لأدى ذلك إلى إضاعة العلم، وأجاب السبكي عن القياس على الجهاد بأن المشتغل بالعلم له باعث نفسي عمن يحثه على دوام الاشتغال به لمحبة ثمرته والمقاتل ميلة إلى الحياة يباعده عن ذلك لكراهة الموت وشدة سكراته، فوكل المشتغل بالعلم إلى محبته لأنه منهوم لا يشبع، وكلف المقاتل بالثبات عند الممات الذي منه يفزع، ولذلك قال (ص) مداد العلماء أفضل من دم الشهداء.
ثم شرع المصنف في الحال (الثاني) من حالي الكفار، وهو ما تضمنه قوله: (يدخلون بلدة لنا) أو ينزلون على جزائر أو جبل في دار الاسلام ولو بعيدا عن البلد (فيلزم أهلها الدفع بالممكن) منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين، وقيل كفاية. واعتمده البلقيني: وقال إن نص الشافعي يشهد له (فإن أمكن) أهلها (تأهب) استعدادا (لقتال وجب) على كل منهم (الممكن) أي الدفع للكفار بحسب القدرة (حتى على فقير) بما يقدر عليه (وولد ومدين) وهو من عليه دين (وعبد بلا إذن) من أبوين ورب دين ومن سيد، وينحل الحجز عنهم في هذه الحالة، لأن دخولهم دار الاسلام خطب عظيم لا سبيل إلى إهماله فلا بد من الجد في دفعه بما يمكن، وفي معنى دخولهم البلدة ما لو أطلوا عليها. والنساء كالعبيد إن كان فيهن دفاع، وإلا فلا يحضرن. قال الرافعي: ويجوز أن لا تحتاج المرأة إلى إذن الزوج (وقيل: إن حصلت مقاومة بأحرار اشترط) في عبد (أذن سيده) لأن في الأحرار غنية عنهم واعتمده البلقيني وقال: هو مقتضى نص الشافعي. والأصح في الشرح والروضة الأول لتقوى القلوب وتعظم الشوكة وتشتد النكاية في الكفار انتقاما من هجومهم (وإلا) بأن لم يمكن أهل البلدة التأهب لقتال بأن هجم الكفار عليهم بغتة (فمن قصد) من المكلفين ولو عبدا، أو امرأة، أو مريضا أو نحوه دفع عن نفسه الكفار (بالممكن) له (إن علم أنه إن أخذ قتل) بضم أولهما (وإن جوز) المكلف المذكور (الأسر ) والقتل (فله) أن يدفع عن نفسه، و (أن يستسلم) لقتل الكفار إن كان رجلا لأن المكافحة حينئذ استعجال للقتل والأسر يحتمل الخلاص هذا إن علم أنه إن امتنع من الاستسلام قتل، وإلا امتنع عليه الاستسلام. أم المرأة فإن علمت امتداد الأيدي إليها بالفاحشة فعليها الدفع وإن قتلت لأن الفاحشة لا تباح عند خوف القتل وإن لم تمتد الأيدي إليها بالفاحشة الآن، ولكن توقعتها بعد السبي احتمل جواز استسلامها ثم تدفع إذا أريد منها. ذكر ذلك في الروضة كأصلها، ثم ما مر حكم أهل بلدة دخلها الكفار، وأشار لغيرهم بقوله (ومن هو دون مسافة قصر من البلدة) التي دخلها الكفار حكمه (كأهلها) فيجب عليهم المضي إليهم إن وجدوا زادا، ولا يعتبر المركوب لقادر على المشي على الأصح، هذا إن لم يكن في أهل البلد التي دخلوها كفاية، وكذا إن كان في الأصح لأنهم كالحاضرين معهم، وليس لأهل البلدة ثم الأقربين فالأقربين إذا قدروا على القتال أن يلبثوا إلى لحوق الآخرين (ومن) أي والذين هم (على المسافة) للقصر فأكثر (يلزمهم) في الأصح إن وجدوا زادا ومركوبا (الموافقة بقدر الكفاية إن لم يكف أهلها ومن يليهم) دفعا عنهم وإنقاذا لهم.
تنبيه: أشار بقوله بقدر الكفاية إلى أنه لا يجب على الجميع الخروج، بل إذا صار إليهم قوم فيهم كفاية سقط الحرج عن الباقين. (قيل: وإن كفوا) أي أهل البلد ومن يليهم يلزم من كان على مسافة القصر موافقتهم مساعدة
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548