ذكر الزاني؟ أجيب عن ذلك بجوابين: الأول أن اليد للسارق مثلها غالبا فلم تفت عليه المنفعة بالكلية، الثاني أن في قطع الذكر إبطال النسل غالبا، والحكمة في قطع اليمنى أولا أن البطش بها أقوى غالبا فكانت البداءة بها أردع.
تنبيه: محل قطعها إذا لم تكن شلاء والأرجح أهل الخبرة، فإن قالوا ينقطع الدم وتسد أفواه العروق قطعت واكتفي بها وإلا لم تقطع لأنه يؤدي إلى فوات الروح. (فإن سرق ثانيا بعد قطعها) أي يده اليمنى (فرجله اليسرى) تقطع إن برئت يده اليمنى، وإلا أخرت للبرء (و) إن سرق (ثالثا) بعد قطع رجله اليسرى تقطع (يده اليسرى و) إن سرق (رابعا) بعد قطع يده اليسرى تقطع (رجله اليمنى) لما رواه الشافعي بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال في السارق: إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله. والحكمة في قطع اليد والرجل أن اعتماد السارق في السرقة على البطش والمشي فإنه يأخذ بيده وينقل برجله فتعلق القطع بهما، وإنما قطع من خلاف لئلا يفوت جنس المنفعة عليه فتضعف حركته كما في قطع الطريق، لأن السرقة مرتين تعدل الحرابة شرعا، والمحارب تقطع أولا يده اليمنى ورجله اليسرى، وفي الثانية يده اليسرى ورجله اليمنى، وإنما لم تقطع الرجل إلا بعد اندمال اليد، لئلا تفضي الموالاة إلى الهلاك، وخالف موالاتهما في الحرابة، لأن قطعهما فيها حد واحد. (وبعد ذلك) أي بعد قطع اليدين والرجلين إذا سرق خامسا فأكثر فإنه (يعزر) لأن القطع ثبت بالكتاب والسنة ولم يثبت بعد ذلك شئ آخر، والسرقة معصية فتعين التعزير كما لو سقطت أطرافه أولا ولا يقتل كما نقل عن القديم. وما استدل به من أنه (ص) قتله، أجيب عنه بأنه منسوخ، أو محمول على أنه بزنا أو استحلال كما قاله الأئمة، بل ضعفه الدارقطني وغيره، وقال ابن عبد البر: إنه منكر، ولان كل معصية أوجبت حدا لم يوجب تكرارها القتل كالزنا والقذف (ويغمس محل القطع بزيت أو دهن مغلى) - بضم الميم وفتح اللام - اسم مفعول من أغلى. أما فتح الميم مع كسر اللام وتشديد الياء على زنة مفعول فلحن كما قاله ابن قاسم، وفعل ذلك مندوب للامر به كما رواه الحاكم وصححه، والمعنى فيه سد أفواه العروق لينقطع الدم.
تنبيه: قضية كلامه امتناعه بغير الزيت والدهن، واقتصر الشافعي في الام على الجسم بالنار، وفصل الماوردي في الحاوي فجعل الزيت للحضري، والنار للبدوي لأنها عادتهم وهو تفصيل حسن. (قيل هو) أي الغمس المسمى بالحسم (تتمة للحد) فيجب على الإمام فعله، ولا يجوز له إهماله، لأن فيه مزيد إيلام (والأصح) المنصوص (أنه) أي الغمس المذكور (حق للمقطوع) لأن الغرض المعالجة ودفع الهلاك بنزف الدم (فمؤنته عليه) كأجرة الجلاد إلى أن يقيم الإمام من ينصب الحدود ويرزقه مال المصالح كما مر.
تنبيه: سكت المصنف عن المؤنة على الوجه الأول، وقضيته أنها لا تكون على المقطوع وليس مرادا، ففي الروضة وأصلها أنه على الخلاف في مؤنة الجلاد. (و) على الأصح (للإمام إهماله) ولا يجبر المقطوع عليه، بل يستحب له ويندب للإمام الإمام به عقب القطع، ولا يفعله إلا بإذن المقطوع، لأنه نوع مداواة. نعم لو كان إهماله يؤدي إلى تلف لتعذر فعل ذلك من المقطوع بإغماء أو جنون أو نحو ذلك لم يجز للإمام إهماله كما قاله البلقيني وغيره (وتقطع اليد) بحديدة ماضية دفعة واحدة (من الكوع) أي مفصله للامر به في خبر سارق رداء صفوان، والمعنى فيه أن البطش بالكف وما زاد من الذراع تابع، ولهذا يجب في قطع الكف الدية، وفيما زاد عليه حكومة (و) تقطع (الرجل من مفصل القدم) - بفتح الميم وكسر الصاد - اتباعا ل عمر رضي الله عنه كما رواه ابن المنذر. وروى البيهقي عن علي رضي الله عنه أنه يبقى له الكعب ليعتمد عليه، وبه قال أبو ثور.