مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٦٣
والكسوة في تلك الحالة. قال في المطلب: فالمتجه أنه لا قطع إذا أخذت بقصد الاستيفاء كما في حق رب الدين الحال إذا سرق نصابا من المديون اه‍. ومحله أخذا مما مر أن يكون جاحدا أو مماطلا، وقد يقال: لا حاجة إلى هذا إذ الكلام في السرقة والاخذ بقصد الاستيفاء ليس بسرقة، أما لو كان المال في مسكنهما بلا إحراز فلا قطع قطعا (ومن سرق) وهو مسلم (مال بيت المال، إن فرز) بفاء مضمومة وراء مهملة خفيفة مكسورة وزاي معجمة (لطائفة) كذوي القربى والمساكين وكان منهم أو أصله أو فرعه فلا قطع، أو فرز لطائفة (ليس هو منهم قطع) إذ لا شبهة له في ذلك (وإلا) بأن لم يفرز لطائف فلا، (فالأصح أنه إن كان له حق في المسروق كمال مصالح) بالنسبة لمسلم فقير جزما، أو غني على الأصح (وكصدقة وهو فقير) أو غارم لذات البين، أو غاز (فلا) يقطع في المسألتين. أما في الأولى فلان له حقا وإن كان غنيا كما مر، لأن ذلك قد يصرف في عمارة المساجد والرباطات والقناطر فينتفع بها الغني والفقير من المسلمين، لأن ذلك مخصوص بهم، بخلاف الذمي يقطع بذلك، ولا نظر إلى إنفاق الإمام عليه عند الحاجة، لأنه إنما ينفق عليه للضرورة وبشرط الضمان: كما ينفق على المضطر بشرط الضمان وانتفاعه بالقناطر والرباطات بالتبعية من حيث أنه قاطن بدار الاسلام، لا لاختصاصه بحق فيها. وأما في الثانية فلاستحقاقه، بخلاف الغني فإنه يقطع لعدم استحقاقه إلا إذا كان غازيا، أو غارما لذات البين فلا يقطع لما مر. (وإلا) بأن لم يكن له فيه حق (قطع) لانتفاء الشبهة. والثاني لا يقطع مطلقا غنيا كان أو فقيرا سرق مال الصدقة أو المصالح، لأنه مرصد للحاجة والفقير ينفق عليه منه، والغني يعطى منه ما يلزمه بسبب حمالة يتحملها. والثالث يقطع مطلقا كما في سائر الأموال.
تنبيه: من لا يقطع بسرقة مال بيت المال لا يقطع أصله أو فرعه أو رقيقه بسرقته منه، وخرج ببيت المال ما لو سرق مستحق الزكاة من مال من وجبت عليه فإنه إن كان المسروق من غير جنس ما وجبت فيه قطع، وإن كان منه وكان متعينا للصرف وقلنا بالأصح أنها تتعلق تعلق الشركة فلا قطع كالمال المشترك، قاله البغوي وصاحب الكافي.
(والمذهب) الذي قطع به الجمهور (قطعه) أي المسلم (ب‍) سرقة (باب مسجد وجذعه) - بإعجام الذال - وتأزيره وسواريه وسقوفه وقناديل زينة فيه، لأن الباب للتحصين، والجذع ونحوه للعمارة، ولعدم الشبهة في القناديل، ويلحق بهذا ستر الكعبة فيقطع سارقه على المذهب إن خيط عليها، لأنه حينئذ محرز (لا) بسرقة (حصره) المعدة للاستعمال ولا سائر ما يفرش فيه (و) لا (قناديل تسرج) لأن ذلك لمصلحة المسلمين فله فيه حق كمال بيت المال وخرج بالمعدة حصر الزينة فيقطع بها كما قاله ابن الملقن. وينبغي أن يكون ستر المنبر كذلك إن خيط عليه، وأن يكون بلاط المسجد لحصره المعدة للاستعمال. أما الذمي فيقطع بذلك قطعا لعدم الشبهة.
تنبيه: محل ذلك في المسجد العام، أما الخاص بطائفة فيختص القطع بغيرها بناء على أنه إذا خص المسجد بطائفة اختص بها وهو الراجح، ولو سرق شخص المصحف الموقوف على القراءة لم يقطع إذا كان قارئا، لأن له فيه حقا، وكذا إن كان غير قارئ لأنه ربما تعلم منه. قال الزركشي: أو يدفعه إلى من يقرأ فيه لاستماع الحاضرين، ولو سرق الخطيب المنبر أو المؤذن الدكة ينبغي عدم القطع ولم أر من ذكره، بل ينبغي عدم القطع لغيرهما أيضا لأن النفع لا يختص بهما، ولو سرق مسلم بكرة بئر مسبلة لم يقطع كما جزم به صاحب البحر وجرى عليه ابن المقري وإن كان مقتضى كلام الروضة القطع، لأنها لمنفعة الناس. قال صاحب البحر: وعندي أن الذمي لا يقطع بسرقتها أيضا، لأن له فيه حقا اه‍. وهذا هو الظاهر لما سيأتي أن الذمي لا يقطع بالأخذ من الموقوف على الأمور العامة. (والأصح قطعه بموقوف) على غيره، لأنه مال محرز سواء أقلنا الملك فيه لله تعالى أم للموقوف عليه أم للواقف، والثاني المنع لأنه إن كان لله تعالى فهو كالمباحات، وإن كان للموقوف عليه أو الواقف فلضعف الملك، أما إذا كان له فيه استحقاق
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548