أبو إسحق بين أن يثبت زناء ببينة، فيسن أن يحفر له حفرة ينزل فيها إلى وسطه لتمنعه من الهرب، أو بإقرار فلا يسن (والأصح استحبابه) أي الحفر (للمرأة) إلى صدرها (إن ثبت) زناها (ببينة) لئلا تنكشف، والظاهر من الشهود عدم الرجوع، بخلاف ما إذا ثبت بالاقرار ليمكنها الهرب إن رجعت، والثاني يحفر لها مطلقا فقد ثبت الحفر في قصة الغامدية مع أنها كانت مقرة. وأجاب الأول: بأن ذلك فعل بيانا للجواز (ولا يؤخر) الرجم (لمرض وحر وبرد مفرطين) سواء أثبت زناه ببينة أم بإقرار، لأن النفس مستوفاة ولا فرق بينه وبين الصحيح (وقيل يؤخر إن ثبت بإقرار) كما نص عليه في الام، وصححه جمع منهم صاحب التنبيه والقاضي الحسين، لأن الظاهر رجوعه للندب إليه.
تنبيه: كلام المصنف يقتضي وجوب التأخير على هذا الوجه. وقال البلقيني: إنما هو مستحب، قال: ولم أر من تعرض له هنا وتعرضوا له في الجلد اه. ويجب التأخير في صورتين: إحداهما الحامل، فتؤخر إلى الوضع وانقضاء مدة الرضاع كما ذكره المصنف في باب استيفاء القصاص سواء أكان الحمل من زنا أم من غيره. الثانية: إذا أقر بالزنا ثم جن لا يحد في جنونه بل يؤخر حتى يفيق، لأنه قد يرجع بخلاف ما لو ثبت بالبينة ثم جن، قاله الرافعي في باب الردة (ويؤخر الجلد) وإن لم يهلك غالبا (لمرض) يرجى برؤه كالحمى والصداع لأن المقصود الردع لا القتل، وقد يفضى الجلد حينئذ إلى القتل.
تنبيه: في معنى المرض النفاس، ومن به جرح أو ضرب وكذا الحامل كما نص عليه في المختصر (فإن لم يرج برؤه) منه لزمانة أو كان نضوا (جلد) ولا يؤخر إذ لا غاية تنتظر، لكن (لا بسوط) لئلا يهلك (بل بعثكال) وهو الذي يكون فيه البلح بمنزلة العنقود من الكرم (عليه مائة غصن) وهي الشماريخ بضرب به مرة إذا كان حرا لما رواه أبو داود عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره بعض الصحابة أن رجلا منهم اشتكى حتى أضنى فعاد جلده على عظمه فوقع على جارية لبعضهم فأمر النبي (ص) أن يأخذوا له شمراخا فيضربوه بها ضربة واحدة (فإن كان) عليه (خمسون) غصنا (ضرب به مرتين) لتكمل المائة، وإن كان رقيقا ضرب مرة واحدة، وعلى هذا القياس.
تنبيه: العثكال - بكسر العين وفتحها - ويقال: عثكول - بضم العين - وإثكال بإبدالها همزة مع ضم الهمزة وكسرها ولا يطلق إلا على شمراخ النخل ما دام رطبا، أما إذا يبس فهو عرجون ولا يتعين العثكال بل يضرب به أو بالنعال أو بأطراف الثياب كما صرح به في أصل الروضة وإن نازع البلقيني في الضرب بالنعال (وتمسه) أي المجلود (الأغصان) جميعها (أو ينكبس بعضها على بعض ليناله بعض الألم) لئلا تبطل حكمة الحد فإذا انتفى ذلك أو شك فيه لم يسقط الحد، فإن قيل قد اكتفوا في الايمان بالضرب غير المؤلم فهلا كان كذلك؟ أجيب بأن الايمان مبنية على العرف، والضرب غير المؤلم يسمى ضربا، والحدود مبنية على الزجر، وهو لا يحصل إلا بالايلام (فإن برأ) - بفتح الراء - المجلود بعد أن ضرب بما ذكر (أجزأه) الضرب ولا يعاد به. فإن قيل المغصوب إذا حج عنه ثم شفي وجب عليه إعادته، فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن الحدود مبنية على الدرء، فإن برئ قبل ذلك حد حد الأصحاء، أو في الأثناء كمل حد الأصحاء، واعتد بما مضى كما بحثه الزركشي، وهو نظير ما لو قدر في أثناء الصلاة على القيام فلو ضرب بما ذكر من يرجى برؤه فبرأ لم يجزه، ويخير من له حد قذف على مريض بين الضرب بعثكال ونحوه وبين الصبر إلى برئه كما جرى عليه ابن المقري تبعا للأسنوي، وقيل: يجلد بالسياط سواء أرجى برؤه أم لا لأن حقوق الآدميين مبنية على المضايقة، ورجحه في أصل الروضة في استيفاء القصاص وأسقطه ابن المقري هناك. وقال