وعلى هذا لو شهد عليها دون أربعة حدوا لأنهم قذفة (وكذا أربع نسوة وعبيد وكفرة) أهل ذمة فإنهم في كل من المسائل الثلاث يحدون (على المذهب) لأنهم ليسوا من أهل الشهادة فلم يقصدوا إلا القذف. والطريق الثاني في حدهم القولان تنزيلا لنقص الصفة منزلة نقص العدد.
تنبيه: محل الخلاف كما قال الإمام إذا كانوا في ظاهر الحال بصفة الشهود ثم بانوا كفارا أو عبيدا، لأن القاضي إذا علم حالهم لا يصغي إليهم فيكون قولهم قذفا محصنا قطعا، لأنه ليس في معرضه شهادة.
فروع: لو شهد أربعة بالزنا وردت شهادتهم بفسق ولو مقطوعا به كالزنا وشرب الخمر لم يحدوا وفارق ما مر في نقص العدد بأن نقص العدد متيقن وفسقهم إنما يعرف بالظن والاجتهاد والحد يدرأ بالشبهة، ولو شهد دون أربعة بالزنا فحدوا وعادوا مع رابع لم تقبل شهادتهم كالفاسق ترد شهادته ثم يتوب ويعيدها لم تقبل، ولو شهد بالزنا عبيد وحدوا فعادوا بعد العتق قبلت لعدم اتهامهم، ولو شهد به خمسة فرجع واحد منهم عن شهادته لم يحد لبقاء النصاب، أو اثنان منهم حدا لأنهما ألحقا به العار دون الباقين لتمام النصاب عند الشهادة مع عدم تقصيرهم، ولو رجع واحد من أربعة حد وحده دون الباقين لما ذكر (ولو شهد واحد على إقراره) بزنا (فلا) حد عليه جزما، لأن من قال لغيره:
قد أقررت بأنك زنيت وهو في معرض القذف والتعبير لاحد عليه، فكذا هنا.
تنبيه: شاهد الجرح بالزنا ليس بقاذف للحاجة وإن لم يوافقه غيره كما صوبه المصنف خلافا للرافعي حيث جعل عدم موافقة غيره كنقص العدد (ولو تقاذفا) أي قذف كل من شخصين صاحبه (فليس) ذلك (تقاصا) فلا يسقط حد هذا الحد هذا، بل لكل منهما أن يحد الآخر، لأن التقاص إنما يكون عند اتفاق الجنس والصفة والحدان لا يتفقان في الصفة، إذ لا يعلم التساوي لاختلاف القاذف والمقذوف في الضعف والقوة والخلقة غالبا (ولو استقل المقذوف بالاستيفاء) للحد من قاذفه ولو بإذنه (لم يقع الموقع) على الصحيح، لأن إقامة الحد من منصب الإمام فيترك حتى يبرأ ثم يحد، واستثنى من ذلك صورتان: الأولى لو قذف العبد سيده فله أن يحده كما صرحا به آخر باب الزنا. والثانية إذا بعد عن السلطان في بادية وقدر على الاستيفاء بنفسه من غير تجاوز جاز كما قاله الماوردي خاتمة: إذا سب إنسان إنسانا جاز للمسبوب أن يسب الساب بقدر ما سبه لقوله تعالى * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) *.
ولا يجوز أن يسب أباه ولا أمه. وروي أن زينب لما سبت عائشة قال لها النبي (ص) سبيها كذا رواه أبو داود. وفي سنن ابن ماجة: دونك فانتصري فأقبلت عليها حتى يبس ريقها في فيها فتهلل وجه النبي (ص).
وإنما يجوز السب بما ليس كذبا ولا قذفا كقوله: يا ظالم يا أحمق لأن أحدا لا يكاد ينفك عن ذلك، وإذا انتصر بسبه فقد استوفى ظلامته وبرئ الأول من حقه وبقي عليه أثم الابتداء أو الاثم لحق الله تعالى، ويجوز للمظلوم أن يدعو على ظالمه كما قاله الجلال السيوطي في تفسير قوله تعالى * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * قال: بأن يخبر عن ظلم ظالمه ويدعو عليه اه. ويخفف عن الظالم بدعاء المظلوم، لما رواه أحمد في كتاب الزهد عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: بلغني أن الرجل ليظلم مظلمة فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينقصه حتى يستوفي حقه. وفي الترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي (ص) قال: من دعا على من ظلمه فقد استنصر وفي كتاب اللطائف للقاضي أبي يوسف أن امرأة من بني إسرائيل كانت صوامة قوامة سرقت لها امرأة دجاجة فنبت ريش الدجاجة في وجه السارقة وعجزوا عن إزالته عن وجهها فسألوا عن ذلك بعض علمائهم، فقالوا: لا يزول هذا الريش إلا بدعائها عليها، قال فأتتها عجوز وذكرتها بدجاجتها فلم تزل بها إلى أن دعت على سارقها دعوة فسقط من وجهها ريشة فلم تزل تكرر ذلك حتى سقط جميع الريش، واختلف العلماء في التحليل من الظلامة على ثلاثة أقوال: أي هل الأفضل التحليل أو لا؟ فكان ابن المسيب لا يحلل أحدا من عرض ولا مال، وكان سليمان بن يسار وابن سيرين يحللان منهما، ورأي مالك التحليل من