فلانة على وجه الزنا. وينبغي كما قال الزركشي أن يقوم مقامه زنى بها زنا يوجب الحد إذا كانوا عارفين بأحكامه، ويشترط تقديم لفظ أشهد على أنه زنى ويذكر الموضع فإنهم لو اختلفوا فيه بطلت الشهادة (أو إقرار) حقيقي ولو (مرة) لأنه (ص) رجم ماعزا والغامدية بإقرارهما رواه مسلم.
تنبيه: أشار بقوله: مرة إلى خلاف مذهب أبي حنيفة و أحمد حيث اعتبر الاقرار أربعا لحديث ماعز رضي الله عنه. وأجاب أئمتنا بأنه (ص) إنما كرره على ماعز في خبره لأنه شك في عقله ولهذا قال: أبك جنون، ولم يكرره في خبر الغامدية، ويعتبر كون الاقرار مفصلا كالشهادة فلا يستوفي القاضي الحد بعلمه كما قاله المصنف في القضاء، بخلاف سيد العبد فإنه يستوفيه من العبد بعلمه، أما الاقرار التقديري وهو اليمين المردودة بعد نكول الخصم فلا يثبت به الزنا ولكن يسقط به الحد عن القاذف، وأورد عن طريق آخر مختص بالمرأة وهو ما إذا قذفها الزوج ولاعن ولم تلاعن هي فإنه يجب عليها الحد كما ذكراه في بابه.
فروع: يكفي في ثبوت الحد إشارة الأخرى بالاقرار بالزنا، وإن رئي رجل وامرأة أجنبيان تحت لحاف عزرا ولم يحدا ويقام الحد في دار الحرب إن لم يخف فتنة في نحو ردة المحدود والتحاقه بدار الحرب، ويسن للزاني ولكل من ارتكب معصية الستر على نفسه لخبر: من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه الحد رواه الحاكم والبيهقي بإسناد جيد، فإظهارها ليحد أو يعزر خلاف المستحب، وأما التحدث بها تفكها لحرام قطعا للأخبار الصحيحة فيه. وأيضا فقد يسن له ذلك بترك الشهادة إن رآه مصلحة فإن تعلق بتركها إيجاب حد على الغير كأن شهد ثلاثة بالزنا أثم الرابع بالتوقف ويلزمه الأداء. أما ما يتعلق بحق آدمي كقتل أو قذف فإنه يستحب له بل يجب عليه أن يقر به ليستوفى منه لما في حقوق الآدميين من التضييق، ويحرم العفو عن حد الله تعالى والشفاعة فيه لقوله (ص) لأسامة لما كلمه في شأن المخزومية التي سرقت أتشفع في حد من حدود الله تعالى ثم قام فخطب فقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها رواه الشيخان. (ولو أقر) بالزنا (ثم رجع) عنه (سقط) الحد عنه، لأنه (ص) عرض لماعز بالرجوع بقوله: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت فلو لم يسقط به الحد لما كان له معنى، ولأنهم لما رجموه قال: ردوني إلى رسول الله (ص) فلم يسمعوا، وذكروا ذلك للنبي (ص). فقال: هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه.
قال ابن عبد البر: هذا أوضح دليل على أنه يقبل رجوعه، لكن لو قتل بعد الرجوع لم يقتص من قاتله لاختلاف العلماء في سقوط الحد بالرجوع ويضمن بالدية كما قال ابن المقري، لأن الضمان بها بجامع الشبهة ويحصل الرجوع بقوله: كذبت، أو رجعت عما أقررت به أو ما زنيت أو كنت فأخذت أو نحو ذلك، وسواء رجع بعد الشروع في الحد أو قبله، فإن رجع في أثنائه فكمل الإمام متعديا بأن كان يعتقد سقوطه بالرجوع فمات بذلك، هل يجب عليه نصف الدية لأنه مات بمضمون وغيره أو توزع الدية على السياط؟ قولان: أقربهما كما قال شيخنا الثاني كما لو ضربه زائدا على حد القذف ويسن لمن أقر بزنا أو شرب مسكرا الرجوع كما يستتر ابتداء كما رجحه في الروضة.
فروع: لو قال: زنيت بفلانة فأنكرت، وقالت: كان تزوجني فمقر بالزنا وقاذف لها فيلزمه حد الزنا وحد القذف فإن رجع سقط حد الزنا وحده، وإن زنيت بها مكرهة لزمه حد الزنا لا القذف ولزمه لها مهر، فإن رجع عن إقراره سقط الحد لا المهر لأنه حق آدمي، ولو شهد بإقراره بالزنا فكذبهم لم يقبل تكذيبه، لأنه تكذيب للشهود والقاضي، ولو أقر بالزنا ثم شهد عليه أربعة بالزنا ثم رجع عن الاقرار هل يحد؟ وجهان: أحدهما يحد لبقاء حجة البينة كما لو شهد عليه ثمانية فرد أربعة، وثانيهما لا إذ لا أثر للبينة مع الاقرار. وقد بطل ونقلهما الماوردي في ذلك وفي عكسه، وقال: الأصح عندي اعتبار أسبقهما، وينبغي كما قال شيخي: أن المعول على البينة حيث وجدت، لأن البينة في هذا الباب أقوى كما أن الاقرار في المال أقوى، إلا إذا أسند الحكم للاقرار، فإنه يعمل به، قدمت البينة عليه أو تأخرت.