تنبيه: أفهم عطفه التغريب بالواو أنه لا يشترط الترتيب بينهما، فلو قدم التغريب على الجلد جاز كما صرح به في الروضة وأصلها، وإن نازع فيه الأذرعي وقال إنه خلاف ما درج عليه السلف، وأفهم لفظ التغريب أنه لا بد من تغريب الإمام أو نائبه، حتى لو أراد الإمام تغريبه فخرج بنفسه وغاب سنة ثم عاد لم يكف وهو الصحيح، لأن المقصود التنكيل ولم يحصل، وابتداء للعام من حصوله في بلد التغريب في أحد وجهين، أجاب به القاضي أبو الطيب، والوجه الثاني من خروجه من بلد الزنا، ولو ادعى المحدود انقضاء العام ولا بينة صدق لأنه من حقوق الله تعالى ويحلف استحبابا.
قال الماوردي: وينبغي للإمام أن يثبت في ديوانه أول زمان التغريب. ويغرب (إلى مسافة قصر) لأن ما دونها في حكم الحضر لتوصل الاخبار فيها إليه. والمقصود إيحاشه بالبعد عن الأهل والوطن (فما فوقها) إن رآه الإمام، لأن عمر غرب إلى الشام، وعثمان إلى مصر، وعليا إلى البصرة، وليكن تغريبه إلى بلد معين فلا يرسله الإمام إرسالا (وإذ عين الإمام جهة فليس له) أي المغرب (طلب غيرها في الأصح) لأن ذلك أليق بالزجر، ومعاملة له بنقيض قصده، والثاني له ذلك لأن المقصود إيحاشه بالبعد عن الوطن.
تنبيه: لو غرب على الأول إلى بلد معين، فهل يمنع من الانتقال إلى بلد آخر؟. وجهان: أصحهما كما في أصل الروضة لا يمنع لأنه امتثل والمنع من الانتقال لم يدل عليه دليل، وما صححه الروياني من أنه يلزمه أن يقيم ببلد الغربة ليكون كالحبس له، فلا يمكن من الضرب في الأرض لأنه كالنزهة يحمل كما قال شيخنا على أن المراد ببلد الغربة غير بلده لأن ما عداه بلاد غربة، وبقوله: فلا يمكن من الضرب في الأرض أنه لا يمكن من ذلك في جميع جوانبها، بل في غير جانب بلده فقط على ما عرف، ويجوز له أن يحمل معه جارية يتسرى بها مع نفقة يحتاجها، وكذا مال يتجر فيه كما قاله الماوردي، وليس له أن يحمل معه أهله وعشيرته، فإن خرجوا معه لم يمنعوا، ولا يعتقل في الموضع الذي غرب إليه كما قالاه لكن يحفظ بالمراقبة والتوكيل به لئلا يرجع إلى بلدته أو إلى ما دون المسافة منها، لا لئلا ينتقل إلى بلد آخر لما مر من أنه لو انتقل إلى بلد آخر لم يمنع، فإن احتيج إلى الاعتقال خوفا من رجوعه إلى ما ذكر اعتقل، وكذا إن خيف من تعرضه للنساء وإفسادهن فإنه يحبس كما قاله الماوردي كفا له عن الفساد، ولو عاد إلى البلد الذي غرب منه أو إلى دون مسافة القصر منه رد واستؤنفت المدة على الأصح، إذ لا يجوز تفريق سنة التغريب في الحر، ولا نصفها في غيره لأن الايحاش لا يحصل معه، وقضية هذا أنه لا يتعين للتغريب البلد الذي غرب إليه، وأشار إلى تفرده به ولم يقف ابن الرفعة على نقل في ذلك، فقال: الأشبه أن يقال (ويغرب) زان (غريب) له بلد (من إن قلنا بالاستئناف لم يتعين ذلك البلد بلد الزنا) تنكيلا وإبعادا عن موضع الفاحشة (إلى غير بلده) لأن القصد إيحاشه وعقوبته وعوده إلى وطنه يأباه، ويشترط أن يكون بينه وبين بلده مسافة القصر فما فوقها ليحصل ما ذكر (فإن عاد إلى بلده) الأصلي (منع منه في الأصح) معارضة له بنقيض قصده، ومقابل الأصح أنه لا يتعرض له وهو احتمال للغزالي لا وجه كما يوهمه كلام المتن، ولو زنى الغريب في البلد الذي غرب إليه غرب إلى بلد آخر ودخلت مدة بقية الأول مدة الثاني لتجانس الحديث، ولو زنى المسافر في طريقه غرب إلى غير مقصده لما مر به ونازع في ذلك البلقيني، وقال: لا يحجر على الإمام في ذلك، بل إذا رأى تغريبه في جهة مقصده لم يمنع، ومن لا وطن له كالمهاجر إلينا من دار الحرب ولم يتوطن بلدا يمهل حتى يتوطن ثم يغرب، وهذا لا ينافيه قول القاضي أنه يغرب من المكان الذي قصده، ويغرب البدوي عن حلته وقومه (ولا تغرب امرأة) زانية (وحدها في الأصح بل مع زوج أو محرم) لخبر لا تسافر المرأة إلا ومعها زوج أو محرم. وفي الصحيحين: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة