الغرة بقوله (مميز) فلا يلزمه قبول غيره، لأن الغرة هي الخيار كما مر، وغير المميز ليس من الخيار لأنه يحتاج إلى من يكفله، ولفظ الجنين وإن كان يشمل المميز وغيره يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصه، لأن المقصود بالغرة جبر الخلل ولا جبر مع عدم التمييز.
تنبيه: قضية كلامه اعتبار التمييز من غير نظر إلى السن، حتى لو ميز قبل السبع أجزأ، وليس مرادا، بل لا بد من هذا السن كما قاله البلقيني. قال وقد نص عليه في الام (سليم من عيب مبيع) لأن المعيب ليس من الخيار. فإن قيل قد اكتفى في الكفارة بالمعيب إذا كان العيب لا يخل بالعمل، فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن الكفارة حق لله تعالى والغرة حق لآدمي، وحقوق الله تعالى مبنية على المساهلة، فإن رضي المستحق بالمعيب جاز لأن الحق له.
تنبيه: أفهم كلامه قبول الكافر، لكن في الشرح والروضة أنه لا يجبر على قبول خصي وخنثى وكافر، وجمع بينهما بأن ما في الشرح والروضة محمول بقرينة ما مر في البيع على كافر ببلد نقل فيه الرغبة أو على مرتد أو كافرة يمتنع وطؤها لتمجس ونحوه. وما هنا على غير ذلك، وأفهم امتناع الحامل لجزمهم في كتاب البيع بأنه عيب في الجواري، وبه صرح صاحب المعتمد، فقال: لا يلزمه قبول حامل ولا موطوءة لم يتحقق عدم حملها، وما ذكره من عدم قبول الموطوءة التي لم يتحقق عدم حملها ممنوع، فقد قال في البحر بقبولها هنا بخلاف الزكاة، لأن الغالب من الدواب الحمل بخلاف بنات آدم (والأصح قبول) رقيق (كبير) من عبد أو أمة (لم يعجز بهرم) لأنه من الخيار ما لم تقص منافعه، والثاني لا يقبل بعد عشرين سنة عبدا كان أو أمة، لأن ثمنه ينقص حينئذ، والثالث لا يقبل بعدها في الأمة وبعد خمس عشرة سنة في العبد، وضعف الوجهان بأن نقصان الثمن يقابله زيادة المنفعة. أما العاجز بالهرم فلا يقبل لعدم استقلاله وضبطه سليم في المجرد بأن يبلغ إلى حد يصير في معنى الطفل الذي لا يستقل بنفسه. (ويشترط) في الغرة (بلوغها) في القيمة (نصف عشر دية) من الأب المسلم وهو عشر دية الام المسلمة، ففي الحر المسلم رقيق قيمته خمسة أبعرة كما روي عن عمر وعلي وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم. قال الماوردي: ولم يخالفهم فيه أحد فكان إجماعا ولأنها دية فكانت مقدرة كسائر الديات، ولان الجنين على أقل أحوال الانسان، فاعتبر فيه أقل ما قدره الشرع من الديات وهو دية الموضحة والسن (فإن فقدت) تلك الغرة حسا بأن لم توجد، أو شرعا بأن وجدت بأكثر من ثمن مثلها (فخمسة أبعرة) بدلا عنها لأنها مقدرة بها عند وجودها فعند عدمها يؤخذ ما كانت مقدرة به، ولان الإبل هي الأصل في الديات فوجب الرجوع إليها عند فقد المنصوص عليه، فإن فقدت الإبل وجب قيمتها كما في فقد إبل الدية، فإن فقد بعضها وجبت قيمته مع الموجود (وقيل لا يشترط) بلوغها ما ذكر: بل متى وجدت سليمة مميزة وجب قبولها وإن قلت قيمتها لاطلاق لفظ العبد والأمة في الخبر، وعلى هذا الوجه المعبر عنه في الروضة بالقول (فللفقد قيمتها) أي الغرة بالغة ما بلغت كما لو غصب عبدا فمات.
تنبيه: الاعتياض عن الغرة لا يصح كالاعتياض عن الدية (وهي) أي الغرة (لورثة الجنين) على فرائض الله تعالى لأنها دية نفس، ويقدر انفصاله حيا ثم موته (و) هي أي واجبة (على عاقلة الجاني) لحديث أبي هريرة المار (وقيل إن تعمد) الجناية بأن قصدها بما يلقي غالبا (فعليه) وهذا قد يفهم أن الجناية قد تكون عمدا محضا، ومع ذلك يجب على العاقلة في الأصح، وليس مرادا بل الخلاف مبني على تصور العمد في الجناية على الجنين والمذهب أنه لا يتصور، وإنما يكون خطأ أو شبه عمد، سواء أكانت الجناية على أمه خطأ أو عمدا أم شبه عمد، لأنه لا يتحقق وجوده وحياته حتى يقصد، بل قيل إنه لا يتصور فيه شبه العمد أيضا وهو قوي ولكن المنقول خلافه، لأن حد شبه