مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ٤٨٩
لكن قال البلقيني: ولا أمنع قيافة الأخرس إذا فهم إشارته كل واحد، وفي المطلب اشتراط كونه سميعا. ورده البلقيني، وهو ظاهر. (مجرب) بفتح الراء بخطه في معرفة النسب، لحديث: لا حكم إلا ذو تجربة حسنه الترمذي، وكما لا يولى القضاء إلا بعد معرفة علمه بالأحكام. وفسر المحرر التجربة بأن يعرض عليه ولو في نسوة ليس فيهن أمه ثم مرة أخرى ثم مرة أخرى كذلك في نسوة فيهن أمه. فإن أصاب في الكل فهو مجرب. فإن قيل: لم حذف المصنف هذا مع أن فيه حكمين، أحدهما: أنه لا بد من التجربة ثلاثا، والثاني: أنه لا بد أن يكون العرض مع أمه، وقد تعجب من حذقه لذلك؟
أجيب بأن الحكم الأول منازع فيه، فقد قال الإمام: لا معنى لاعتبار الثلاث، بل المعتبر غلبة الظن بأن قوله عن خبرة لا عن اتفاق، وهذا قد يحصل بدون الثلاث اه‍. وهذا نظير ما رجحوه في تعليم جارحة الصيد. وأما الحكم الثاني: فإن ذكر الام مع النسوة ليس للتقييد بل للأولوية إذ الأب مع الرجال كذلك، وكذا سائر العصبة والأقارب عند فقدهما.
وقال في الروضة كأصلها: كيفية التجربة أن يعرض عليه ولد في نسوة ليس فيهن أمه، ثم في نسوة ليس فيهن أمه، ثم في نسوة ليس فيهن أمه، ثم في نسوة هي فيهن فيصيب في الكل. واستشكله البارزي بأن المجرب قد يعلم ذلك فلا تبقى فائدة في الثلاثة الأول، وقد يصيب في الرابعة اتفاقا فلا يؤثر بالتجربة، والأولى أن يعرض مع صنف ولد الواحد منهم أو في بعض الأصناف ولا يخص به الرابعة فإذا أصاب في الكل قبل قوله بعد ذلك، وينبغي أن يكتفي بثلاث مرات اه‍. وقد مر أن الإمام يعتبر غلبة الظن، فمتى حصلت عمل بما في الروضة أو بما قاله البارزي. (والأصح) في الروضة: الصحيح، (اشتراط حر ذكر) كالقاضي. والثاني: لا كالمفتي، (لا) اشتراط (عدد) فيكفي قول الواحد كالقاضي والقاسم. والثاني: يشترط كالمزكي والمقوم. (ولو كونه مدلجيا) أي من بني مدلج، وهم رهط مجزز المدلجي، بل يجوز كونه من سائر العرب والعجم، لأن القيافة نوع من العلم فمن تعلمه عمل به، وفي سنن البيهقي أن عمر رضي الله عنه كان قائفا يقوف. والثاني: يشترط، لرجوع الصحابة رضي الله عنهم إلى بني مدلج في ذلك دون غيرهم، وقد خص الله تعالى جماعة بنوع من المناصب والفضائل كما خص قريشا بالإمامة. ثم أشار المصنف لمسألتين يعرض الولد فيهما على القائف بقوله: (فإذا تداعيا) أي شخصان أو أحدهما وسكت الآخر أو أنكرا ولدا (مجهولا) صغيرا لقيطا كان أو غيره، حيا أو ميتا لم يتغير ولم يدفن، (عرض عليه) أي القائف ولو بعد موت أحد المتداعيين، فمن ألحقه به لحقه كما مر في باب كتاب اللقيط.
والمجنون كالصبي، قال البلقيني: وكذا لو كان مغمى عليه أو نائما أو سكران سكرا يعذر فيه، فلو كان غير المعذور لم يعرض، لأنه بمنزلة الصاحي ولو انتسب إلى هذه الحالة عمل به.
تنبيه: قضية إطلاقه أنه لا فرق بين أن يكون لأحدهما عليه يد أو لا، والأشبه بالمذهب كما قال الرافعي تفصيل ذكره القفال في اللقيط، وهو أنه إن كان في يده عن النقاط لم يؤثر، وإلا قدم صاحب اليد إن قدم استلحاقه، وإلا فوجهان قال الزركشي: أصحهما يستويان فيعرض على القائف. (وكذا لو اشتركا) أي رجلان (في وطئ) لامرأة (فولدت ولدا ممكنا) أي من كل (منهما وتنازعاه) أي ادعاه كل منهما أو أحدهما وسكت الآخر أو أنكر ولم يتخلل بين الوطأين حيضة كما سيأتي، فإنه يعرض على القائف ولو كان بالغا مكلفا كما جزم به الماوردي. ثم بين الاشتراك في الوطئ في صور بقوله: (بأن وطئا امرأة بشبهة) كأن وجدها كل منهما في فراشه فظنها زوجته أو أمته، (أو) بأن وطئ شريكان أمة (مشتركة لهما، أو وطئ زوجته وطلق فوطئها آخر بشبهة أو نكاح فاسد، أو) وطئ (أمته فباعها فوطئها المشتري ولم يستبرئ واحد منهما) فإنه يعرض على القائف. وقال أبو حنيفة: يلحق الولد في هذه الصور بها، ولا اعتبار بقوله القائف بما تقدم وبقوله تعالى * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * ولو كان له أبوان لكان له قلب إلى كل منهما، وبأن الولد لا ينعقد من ماء شخصين، لأن الوطئ لا بد أن يكون على التعاقب، وإذا اجتمع ماء المرأة وانعقد الولد منه حصلت عليه غشاوة تمنع من اختلاط
(٤٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 494 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548