تنبيه: قد يفهم قول المصنف: لو أقر بمطلوبها فأنكر أن من لا يقبل إقراره لا يحلف، وهو كذلك، لكن يستثنى منه صورتان: الأولى لو ادعى على من يستخدمه أنه عبد فأنكر فإنه يحلف وهو لو أقر بعد إنكاره الرق لم يقبل، لكن فائدة التحليف ما يترتب على التفويت من تغريم القيمة لو نكل. الثانية: لو جرى العقد بين وكيلين فالأصح في زوائد الروضة في اختلاف المتبايعين تحالفهما مع أن إقرار الوكيل لا يقبل، لكن فائدته الفسخ. ثم شرع في بيان فائدة اليمين فقال: (واليمين) غير المردودة (تفيد قطع الخصومة) وعدم المطالبة (في الحال) و (لا) تفيد (براءة) لذمة المدعى عليه، لما رواه أبو داود والنسائي والحاكم عن ابن عباس: أن النبي (ص) أمر رجلا بعد ما حلف بالخروج من حق صاحبه كأنه (ص) علم كذبه كما رواه أحمد. على أن اليمين لا توجب براءة، (فلو حلفه) المدعى عليه (ثم أقام) المدعي (بينة) بمدعاة شاهدين فأكثر، وكذا شاهد ويمين كما قاله ابن الصباغ وغيره، (حكم بها) وإن نفاها المدعى حين الحلف، لقوله (ص): البينة العادلة حق من اليمين الفاجرة رواه البخاري.
فإن قيل: ينبغي أن لا يحكم بالبينة بعد اليمين، لقوله (ص): شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك، فنص على أنه ليس له إلا أحدهما لا كلاهما. أجيب بأنه حصر حقه في النوعين، أي لا ثالث لهما وأما منع جمعهما فلا دلالة للحديث عليه.
تنبيه: لو ردت اليمين على المدعي فنكل ثم أقام بينة حكم بها لاحتمال أن يكون نكوله للتورع عن اليمين الصادقة.
ولو قال بعد إقامة بينة بدعواه: بينتي كاذبة أو مبطلة سقطت ولم تبطل دعواه. واستثنى البلقيني ما إذا أجاب المدعى عليه وديعة بنفي الاستحقاق وحلف عليه، فإن حلفه يفيد البراءة حتى لو أقام المدعي بينة بأنه أودعه الوديعة المذكورة لم تؤثر فإنها لا تخالف ما حلف عليه من نفي الاستحقاق.
فرع: لو اشتملت دعوى على شخص واحد على أنواع وأراد المدعي أن يحلفه على بعضها دون بعض أجيب، ولو أراد أن يحلفه على كل نوع منها يمينا نظر، إن فرقها في الدعوى أجيب، وإلا فلا، قاله الماوردي. (ولو قال المدعى عليه) الذي طلب المدعي تحليفه: (قد حلفني مرة) على ما ادعاه فليس له تحليفي ثانيا (فليحلف أنه لم يحلفني) قبل ذلك، (مكن) من تحليفه المدعي (في الأصح) لأن ما قاله محتمل غير مستبعد. والثاني: المنع، لأنه لا يؤمن أن يدعي المدعي أنه حلف على أنه ما حلفه، وهكذا فيدور الامر ولا ينفصل. وأجيب بعدم سماع ذلك من المدعي لئلا يتسلسل. وعلى الأول لو نكل المدعى حلف المدعى عليه وتخلص من الخصومة، فلو قصد أن يحلف يمين الأصل لا يمين التحليف المردودة عليه فليس له ذلك إلا بعد استئناف الدعوى لأنهما الآن في دعوى أخرى.
تنبيه: هذا كله إذا قال: حلفني عند قاض آخر أو أطلق، فإن قال: حلفني عندك، فإن حفظ القاضي ذلك لم يحلفه ومنع المدعي من طلبه، وإن لم يحفظه حلفه ولا ينفعه إقامة البينة عليه، لأن القاضي متى تذكر حكمه أمضاه وإلا فلا يعتمد غيره. قال الأذرعي: ويشبه أن يقال عند الاطلاق يستفسره القاضي لأنه قد يحلفه ويظن أنه كتحليف القاضي، لا سيما إذا كان خصمه لا يتفطن لذلك. ثم شرع في بيان النكول وحكمه فقال: (وإذا نكل) المدعى عليه عن يمين طلبت منه، (حلف المدعي) اليمين المردودة لتحول الحق إليه، (وقضى له) بمدعاه، (ولا يقضى بنكوله) أي المدعى عليه خلافا لأبي حنيفة وأحمد لأنه (ص) رد اليمين على طالب الحق رواه الحاكم وصحح إسناده، وقال تعالى: * (أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم) * أي بعد الامتناع من الايمان الواجبة، فدل على نقل الايمان من جهة إلى جهة، المعنى أن النكول كما يحتمل أن يكون تحرزا عن اليمين الكاذبة يحتمل أن يكون تورعا عن اليمين الصادقة فلا يقضى مع التردد.