قيد بالاجتهاد. ثم شرع فيما يشترط لتولية القاضي، فقال: (وشرط القاضي) أي من يولى قاضيا، (مسلم) أي إسلام وكذا الباقي. وهذا الشرط داخل في اشتراط العدالة، ولهذا لم يذكره في الروضة، فلا يولي كافر على مسلمين لقوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * ولا سبيل أعظم من القضاء، ولا على كفار، لأن القصد به فصل الأحكام والكافر جاهل بها. وأما جريان العادة بنصب حاكم من أهل الذمة عليهم، فقال الماوردي والروياني: إنما هي رياسة وزعامة لا تقليد حكم وقضاء، ولا يلزمهم حكمه بإلزامه بل بالتزامهم، ولا يلزمون بالتحاكم عنده. (مكلف) أي بالغ عاقل، فلا يولى صبي ولا مجنون وإن تقطع جنونه لنقصهما.
تنبيه: قال الماوردي: ولا يكفي العقل الذي يتعلق به التكليف حتى يكون صحيح الفكر جيد الفطنة بعيدا عن السهو والغفلة يتوصل بذكائه إلى وضوح المشكل وحل المعضل. (حر) فلا يولى رقيق كله أو بعضه لنقصه كالشهادة، أو (ذكر) فلا تولى امرأة، لقوله صلى الله عليه وسلم: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة رواه البخاري، ولأن النساء ناقصات عقل ودين.
تنبيه: شمل إطلاق المصنف منعها ولو فيما تقبل شهادتها فيه وهو كذلك، وفيه إشارة إلى الرد على أبي حنيفة حيث جوزه حينئذ، وعلى ابن جرير الطبري حيث جوزه مطلقا. والخنثى المشكل في ذلك كالمرأة كما قاله الماوردي وغيره، فلو ولي ثم بان رجلا لم يصح توليته كما قاله الماوردي، وصرح به في البحر، وقال: إنه المذهب لا يحتاج إلى تولية جديدة.
أما إذا بانت ذكورته قبل التولية فإنها تصح. (عدل) وسيأتي في الشهادات بيانه، فلا يولى فاسق لعدم الوثوق بقوله ولأنه ممنوع من النظر في مال ولده مع وفور شفقته، فنظره في أمر العامة أولى بالمنع.
تنبيه: يؤخذ مما سيأتي في الشهادات إن شاء الله تعالى عن الصيمري أنه يشترط في الشاهد أن لا يكون محجورا عليه بسفه، وأن يكون القاضي كذلك، وبه صرح البلقيني، لأن مقتضى القضاء التصرف على المحجور عليهم. قال: وأما الاكراه فإنه مانع من صحة القبول إلا فيمن تعين عليه. ولا يولى مبتدع أيضا ردت شهادته، ولا من ينكر الاجماع أو أخبار الآحاد أو الاجتهاد المتضمن إنكاره إنكار القياس. (سميع) ولو بصياح في أذنه، فلا يولى أصم لا يسمع أيضا فإنه لا يفرق بين إقرار وإنكار. (بصير) فلا يولى أعمى ولا من يرى الأشباح ولا يعرف الصور لأنه لا يعرف الطالب من المطلوب، فإن كان يعرف الصور إذا قربت منه صح. وخرج بالأعمى الأعور، فإنه يصح توليته، وكذا من يبصر نهارا فقط دون من يبصر ليلا فقط ما قال الأذرعي. فإن قيل: قد استخلف النبي (ص) ابن أم مكتوم على المدينة وهو أعمى، ولذلك قال مالك بصحة ولاية الأعمى. أجيب بأنه إنما استخلفه في إمامة الصلاة دون الحكم.
تنبيه: لو سمع القاضي البينة ثم عمي قضى في تلك الواقعة على الأصح. واستثني أيضا لو نزل أهل قلعة على حكم أعمى فإنه يجوز كما هو مذكور في محله. (ناطق) فلا يولى أخرس وإن فهمت إشارته، لعجزه عن تنفيذ الأحكام. (كاف) للقيام بأمور القضاء، فلا يولى مغفل ومختل نظر بكبر أو مرض ونحو ذلك. وفسر بعضهم الكفاية اللائقة بالقضاء بأن يكون فيه قوة على تنفيذ الحق بنفسه، فلا يكون ضعيف النفس جبانا فإن كثيرا من الناس يكون عالما دينا ونفسه ضعيفة عن التنفيذ والالزام والسطوة فيطمع في جانبه بسبب ذلك، ولذلك قال ابن عبد السلام: وللولاية شرطان العلم بأحكامها والقدرة على تحصيل مصالحها وترك مفاسدها، فإذا فقد الشرطان حرمت الولاية، قال (ص): يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، لا تتأمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم. وجعل بعضهم هذا الشرط خارجا بقوله: (مجتهد) فلا يولى الجاهل بالأحكام الشرعية ولا المقلد، وهو من حفظ مذهب صاحبه لكنه غير عارف بغوامضه وقاصر عن تقرير أدلته لأنه لا يصلح للفتوى فللقضاء أولى.
تنبيه: كان ينبغي للمصنف أن يقول: إسلام وتكليف وكذا ما بعدهما، فيأتي بالمصدر كما قدرته في كلامه، لأن