الدية صح صيانة لروحه، فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن صون الدم في الجزية يحصل بالدينار، وصون الروح لا يحصل في القصاص إلا بالزيادة إذ يجب على الإمام قبول الدينار، ولا يجب على المستحق قبول الدية. ولو اختار السفيه أن يلتحق بالمأمن لم يمنعه وليه، ولان حجره على ماله لا على نفسه. (والمذهب وجوبها على زمن وشيخ هرم وأعمى وراهب وأجير) لأنها كأجرة الدار، فيستوي فيها أرباب الاعذار وغيرهم، والطريق الثاني لا جزية عليهم إن قلنا لا يقتلون كالنساء والصبيان (و) على (فقير عجز عن كسب) ولو من أهل خيبر لعموم الآية، ولأنه كالغني في حقن الدم والسكنى (فإذا تمت سنة وهو معسر ففي ذمته حتى يوسر) وكذا حكم السنة الثانية وما بعدها كما تعامل المعسر، ويطالب إذا أيسر وفي قول غير مشهور أنه لا جزية عليه وإن كان ظاهر عطف المصنف له على الزمن يقتضي أن الخلاف فيه طريقان.
تنبيه: سكتا عن تفسير الفقير هنا، وفيه وجهان حكاهما الدارمي والرازي في تعليقه، أحدهما مستحق الزكاة لو كان مسلما، والثاني وهو الأشبه كما قاله الزركشي: من لا يملك فاضلا عن قوت يومه آخر الحول ما يقدر به على أداء الجزية كما في زكاة الفطر، وقال بعض المتأخرين يرجع فيه إلى العرق. ثم شرع في الركن الرابع وهو المكان القابل للتقرير، فقال: (ويمنع كل كافر من استيطان الحجاز) سواء أكان ذلك بجزية أم لا لشرفة، ولما روى البيهقي عن أبي عبيدة بن الجراح: آخر ما تكلم به النبي (ص): أخرجوا اليهود من الحجاز، ولخبر الصحيحين:
أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وخبر مسلم: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب. والمراد منها الحجاز المشتملة هي عليه ولم يرد جميع الجزيرة، لأن عمر رضي الله تعالى عنه أجلاهم من الحجاز وأقرهم في اليمن مع أنه من جزيرة العرب.
تنبيه: لو عبر بالإقامة الاستيطان كما في الروضة لكان أولى، فإنه يلزم من منعها منع الاستيطان ولا عكس، فلو أراد الكافر أن يتخذ دارا بالحجاز ولم يسكنها ولم يستوطنها لم يجز، لأن ما حرم استعماله حرم اتخاذه كالأواني وآلات الملاهي، وإليه يشير قول الشافعي في الام: ولا يتخذ الذمي شيئا من الحجاز دارا. (وهو) أي الحجاز (مكة والمدينة واليمامة) وهي مدينة بقرب اليمن على أربع مراحل من مكة، ومرحلتين من الطائف، قيل سميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، وكانت تسكنها (وقراها) أي الثلاثة كالطائف ووج لمكة وخيبر للمدينة (وقيل له) أي الكافر (الإقامة في طرقه) أي الحجاز (الممتدة) بين هذه البلاد التي لم تجر الإقامة فيها عادة لأنها ليست من مجتمع الناس ولا موضع الإقامة، والمشهور أنهم يمنعون لأن الحرمة للبقعة.
تنبيه: محل الخلاف في غير حرم مكة، فأما البقاع التي من الحرم، فإنهم يمنعون منها قطعا، ولا يمنعون من ركوب بحر الحجاز، لأنه ليس موضع إقامة، ويمنعون من الإقامة في جزائره وسواحله المسكونة بخلاف غير المسكونة، وإن خالف في ذلك الأذرعي وغيره وقالوا بالمنع مطلقا، وسمي ذلك حجازا، قال الأصمعي: لأنه حجز بين نجد وتهامة، وجزيرة العرب من أقصى عدن إلى ريف العراق في الطول، وفي العرض من جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام، وسميت جزيرة العرب لإحاطة بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات بها. (ولو دخله) كافر ب (- غير إذن الإمام أخرجه) منه لعدم إذنه له (وعزره إن علم أنه ممنوع منه) لجراءته ودخول ما ليس له دخوله، فإن جهل ذلك أخرج ولم يعزر (فإن استأذن) كافر الإمام في دخول الحجاز (أذن) له (إن كان) في دخوله