قال المصنف في زيادة الروضة: ينبغي أن لا يضمن الأجير والمودع إذا أتلفت نهارا، لأن على صاحب الزرع حفظه نهارا، وتفريط الأجير إنما يؤثر في أن مالك الدابة يضمنه اه. وحيث وجب الضمان فهو على مالك الدابة، قال الإمام: ولم يعلفوا الضمان برقبة البهائم كما علفوه برقبة العبد، لأن الضمان فيها تتلفه البهيمة يحال على تقصير صاحبها والعبد ذو ذمة يلزم. ويستثنى من الدواب الحمام وغيره من الطيور فلا ضمان بإتلافها مطلقا كما حكاه في أصل الروضة عن ابن الصباغ وعلله بأن العادة إرسالها، ويدخل في ذلك النحل، وقد أفتى البلقيني في نخل لانسان قتل جملا لآخر بعدم الضمان، وعلله بأن صاحب النحل لا يمكنه ضبطه والتقصير من صاحب الجمل. ثم استثنى المصنف من تضمين المالك ليلا ما تضمنه قوله (إلا أن لا يفرط) صاحب الدابة (في ربطها) ليلا بأن أحكمه فانحل، أو أغلق الباب عليها ففتحه لص، أو انهدم الجدار فخرجت ليلا فأتلفت زرع الغير فلا ضمان لعدم التقصير منه، وكذا لو خلاها في موضع بعيد لم تجر العادة بردها منه إلى المنزل ليلا كما حكاه البلقيني عن الدارمي والقاضي الحسين (أو) فرط في ربطها لكن (حضر صاحب الزرع وتهاون في دفعها) عنه حتى أتلفته فلا يضمن على الصحيح وإن أشعر كلامه بالجزم به لتفريطه، فإن كان زرعه محفوفا بمزارع الناس ولم يمكن إخراجها إلا بإدخالها مزرعة غيره لم يجز له أن يقي مال نفسه بمال غيره، بل يصبر ويغرم صاحبها كما مرت الإشارة إليه (وكذا إن كان الزرع في) مكان (محوط له باب تركه) صاحبه (مفتوحا) فلا يضمن مالكها ولو ليلا (في الأصح) لأنه مقصر بعدم غلقه. والثاني يضمن لمخالفته للعادة في ربطها ليلا.
فروع: لو ألقت الريح في حجرة ثوبا مثلا فألقاه ضمنه لتركه الواجب عليه فليسلمه إلى المالك ولو إلى نائبه، فإن لم يجده فالحاكم، ولو دخلت دابة الغير ملكه وجب عليه ردها لمالكها إلا إن كان المالك هو الذي سيبها فيحمل قولهم فيما مر أخرجها من زرعه إن لم يكن زرعه محفوفا بزرع غيره على ما إذا سيبها المالك، أما إذا لم يسيبها فيضمنها مخرجها، إذ حقه أن يسلمها لمالكها، فإن لم يجده فإلى الحاكم، ولو سقط شئ من سطح غيره يريد أن يقع في ملكه فدفعه في الهواء حتى وقع خارج ملكه لم يضمن كما قاله البغوي في فتاويه، ويدفع صاحب الزرع الدابة عن زرعه دفع الصائل، فإن تنحت عنه لم يجز إخراجها عن ملكه، لأن شغلها مكانه وإن كان فيه ضرر عليه لا يبيح إضاعة مال غيره، ولو دخلت دابة ملكه فرمحته فمات فكإتلافها زرعه في الضمان وعدمه فيفرق بين الليل والنهار، ولو حمل متاعه في مفازة على دابة رجلا بلا إذن منه وغاب فألقاه الرجل عنها، أو أدخل دابته زرع غيره بلا إذن منه فأخرجها من زرعه فوق قدر الحاجة فضاعت ففي الضمان عليه لهما وجهان: أحدهما وهو الأوجه لا لنعدي المالك وإن قال بعض المتأخرين الأوجه الثاني وهو الضمان لتعدي الفاعل بالتضييع. (وهرة تتلف طيرا أو طعاما) أو غيره (إن عهد ذلك منها ضمن مالكها) أي صاحبها الذي يؤويها ما أتلفته (في الأصح ليلا) كان (أو نهارا) كما يضمن مرسل الكلب العقور ما يتلفه، لأن مثل هذه ينبغي أن تربط ويكف شرها، وكذا كل حيوان مولع بالتعدي كالجمل والحمار الذين عرفا بعقر الدواب وإتلافها. والثاني لا يضمن ليلا ولا نهارا، لأن العادة لم تجز بربطها. وقضية هذه العلة أنه لو كان الحيوان المفسد مما بربط عادة فتركه ضمن ما يتلفه قطعا، وبه صرح الإصطخري والمراد تعهد المالك ونحوه ذلك منها لأنه حينئذ مقصر بإرسالها (وإلا) بأن لم يعهد منها إتلاف ما ذكر (فلا) يضمن (في الأصح) لأن العادة حفظ الطعام عنها لا ربطها. والثاني يضمن في الليل دون النهار كالدابة، ولو هلكت في الدفع عن حمام ونحوه فهدر لصيالها، ولو أخذت حمامة وهي حية جاز فتل أذنها وضرب فمها ليرسلها فتدفع دفع الصائل بالأخف فالأخف، ولو صارت ضاربة مفسدة فهل يجوز قتلها في حال سكونها؟ وجهان: أصحهما وبه قال القفال لا يجوز، لأن ضراوتها عارضة