يقتص من الثالث، ويسقط القصاص عنه لما ورثه من قصاص نفسه، وذلك لأنه لما قتل الأكبر صار القصاص للثالث والأصغر، فإذا قتل الثالث الصغير ورث الثاني ما كان الأصغر يستحقه. الثاني: من استحق قتل من يستحق قتله كأن قتل زيد ابنا لعمرو وعمرو ابنا لزيد وكل منهما منفرد بالإرث كان لكل منهما القصاص على الآخر، لأن التقاص لا يجوز في القصاص. الثالث: لو شهد اثنان على أبيهما بقتل قبلت شهادتهما وقتل بها لانتفاء التهمة بل ذلك أبلغ في الحجة وقيل لا تقبل الشهادة لنرتب القتل عليها كما أنه لا يقتل بقتل ولده. (ويقتل الجمع بواحد) وإن تفاضلت جراحاتهم في العدد والفحش والأرش سواء أقتلوه بمحدد أم بغيره كأن ألقوه من شاهق أو في بحر - لما روى مالك أن عمر رضي الله تعالى عنه قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل قتلوه غيلة: أي حيلة - بأن يخدع ويقتل في موضع لا يراه فيه أحد، وقال:
لو تمالا: أي اجتمع عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا، ولم ينكر عليه أحد فصار ذلك إجماعا، ولان القصاص عقوبة تجب على الواحد فيجب للواحد على الجماعة كحد القذف، ولأنه شرع لحقن الدماء فلو لم يجب عند الاشتراك لكان كل من أراد أن يقتل شخصا استعان بآخر على قتله واتخذ ذلك ذريعة لسفك الدماء لأنه صار آمنا من القصاص.
تنبيه: إنما يعتد في ذلك بجراحة كل واحد منهم إذا كان مؤثرة في زهوق الروح فلا عبرة بخدشة خفيفة، والولي يستحق دم كل شخص بكماله، إذ الروح لا تتجزأ، ولو استحق بعض دمه لم يقتل، وقيل البعض بدليل أنه لو آل الامر إلى الدية لم يلزمه شئ إلا بالحصة، ولكن لا يمكن استيفاؤه إلا بالجميع، فاستوفى لتعذره، وأبطل الإمام القياس على الدية بقتل الرجل المرأة، فإن دمه مستحق فيها وديتها على النصف (وللولي العفو عن بعضهم على حصته من الدية) وعن جميعهم على الدية. ثم إن كان القتل بجراحات وزعت الدية (باعتبار) عدد (الرؤوس) لأن تأثير الجراحات لا ينضبط، وقد تزيد نكاية الجرح الواحد على جراحات كثيرة، وإن كان بالضرب فعلى عدد الضربات، لأنها تلاقي الظاهر ولا يعظم فيها التفاوت بخلاف الجراحات.
تنبيه: من اندملت جراحته قبل الموت لزمه مقتضاها دون قصاص النفس، لأن القتل هو الجراحة السارية، ولو جرحه اثنان متعاقبان وادعى الأول اندمال جرحه وأنكره الولي ونكل وحلف مدعي الاندمال سقط عنه قصاص النفس، فإن عفا الولي عن الآخر لم يلزمه إلا نصف الدية، إذ لا يقبل قول الأول عليه إلا أن تقوم بينة بالاندمال فيلزمه كمال الدية.
قاعدة: لا يقتص من شريك مخطئ أو شبه عمد، ويقتص من شريك من امتنع قوده لمعنى فيه إذا تعمدا جميعا. وقد شرع في القسم الأول بقوله: (ولا يقتل شريك مخطئ وشبه عمد) لأن الزهوق حصل بفعلين: أحدهما يوجبه والآخر ينفيه فغلب المسقط، كما إذا قتل المبعض رقيقا وفهم من نفيه القتل وجوب الدية فيجب على عاقلة غير المعتمد نصف الدية مخففة أو مثقلة، وعلى المعتمد نصفها مغلظة سواء تعدد الجارح كما هنا أم اتحد كما سيأتي، واستثنى الزركشي والدميري وابن قاسم ما لو قطع شخص طرف رجل عمدا ثم قطع آخر طرفه الثاني خطأ ثم سرى إلى نفسه ومات فعلى المعتمد القصاص وهو ممنوع، فإن شريك المخطئ لا قصاص عليه. فإن قيل: إنه يقتص من المعتمد في الطرف ولا قصاص على الطرف قاطع الآخر خطأ ولا قصاص عليهما في النفس للسراية إليها بجنايتين إحداهما خطأ والأخرى عمد. أجيب بأن هذا ممنوع أيضا، لأنهم استثنوا ذلك من قول المصنف ولا يقتل شريك مخطئ، وأما قصاص الطرف فهو ظاهر معلوم من كلامه فيما مر. ثم شرع في القسم الثاني من القاعدة المتقدمة بقوله (ويقتل شريك الأب) في قتل ولده، وعلى الأب نصف الدية مغلظة، وفارق شريك الأب شريك المخطئ بأن الخطأ شبهة في فعل الخاطئ والفعلان مضافان إلى محل واحد فأورث شبهة القصاص كما لو صدر من واحد وشبهة الأبوة في ذات الأب لا في الفعل وذات الأب متميزة عن ذات الأجنبي فلا تورث شبهة في حقه (و) يقتل (عبد شارك حرا في)