مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٦
تنبيه: محله في المرتد إذا لم يكن له شوكة وقوة، وإلا ففيه قولان أظهرهما عند البغوي الضمان وهو الظاهر، وظاهر تعبير الشرح الصغير يقتضي ترجيح المنع. (و) يشترط أيضا في القاتل (مكافأة) بالهمز، وهي مساواته للقتيل بأن لم يفضله بإسلام أو أمان أو حرية أو أصلية أو سيادة، ويعتبر حال الجناية، وحينئذ (فلا يقتل مسلم) ولو زانيا محصنا (بذمي) لخبر البخاري: ألا لا يقتل مسلم بكافر قال ابن المنذر: ولم يصح عن النبي (ص) خبر يعارضه، ولأنه لا يقاد المسلم بالكافر فيما دون النفس بالاجماع كما قاله ابن عبد البر، فالنفس بذلك أولى.
تنبيه: لو عبر المصنف بالكافر كان أولى لموافقة لفظ الحديث ولشموله من لم تبلغه الدعوة، فإن المسلم لا يقتل به على الأصح، لكنه إنما ذكر الذمي لينبه على خلاف الحنفية، فإنهم يقولون: إن المسلم يقتل به، وحملوا الكافر في الحديث على الحربي لقوله بعد: ولا ذو عهد في عهده وذو العهد يقتل بالمعاهد ولا يقتل بالحربي لتوافق المتعاطفين.
وأجيب عن حملهم على ذلك بأن قوله (ص): لا يقتل مسلم بكافر يقتضي عموم الكافر فلا يجوز تخصيصه بإضمار، وقوله: ولا ذو عهد كلام مبتدأ، أي لا يقتل ذو العهد لأجل عهده. وبأنه لو كان كما قالوه لخلا عن الفائدة لأنه يصير التقدير: لا يقتل المسلم إذا قتل كافرا حربيا، ومعلوم أن قتله عبادة فكيف يعقل أنه يقتل به. (ويقتل ذمي به) أي المسلم لشرفه عليه. (و) يقتل أيضا (بذمي وإن اختلفت ملتهما) فيقتل يهودي بنصراني ومعاهد ومستأمن ومجوسي وعكسه، لأن الكفر كله ملة واحدة من حيث أن النسخ شمل الجميع، وإن اقتضت عبارة المتن أنه ملل إلا أن يريد اختلاف ملتهما بحسب زعمهما. (فلو أسلم) الذمي (القاتل) كافرا مكافئا له، (لم يسقط القصاص) لتكافئهما حالة الجناية، لأن الاعتبار في العقوبات بحال الجناية ولا نظر لما يحدث بعدها، وذلك إذا زنى الرقيق أو قذف ثم عتق يقام عليه حد الأرقاء. فإن قيل: في هذا قتل مسلم بكافر وقد منعتم من ذلك. أجيب بالمنع، بل هو قتل كافر بكافر إلا أن الموت تأخر عن حال القتل. ومنهم من حمل عليه حديث أنه صلى الله عليه وسلم قتل يوم خيبر مسلما بكافر وقال: أنا أكرم من وفى بذمته رواه أبو داود في مراسيله. ويقتل رجل بامرأة وخنثى كعكسه، وعالم بجاهل كعكسه، وشريف بخسيس، وشيخ بشاب كعكسهما، لأنه صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن: أن الذكر يقتل بالأنثى رواه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم. وقيس بما فيه البقية. (ولو جرح ذمي) أو نحوه (ذميا) أو نحوه (وأسلم الجارح ثم مات المجروح) بسراية تلك الجراحة، (فكذا) لا يسقط القصاص في النفس (في الأصح) للتكافؤ حالة الجرح المفضي إلى الهلاك. وإنما اعتبرت لأنها حالة الفعل الداخل تحت الاختيار ولهذا لو جرح الجارح ومات المجروح وجب القصاص.
والثاني: يسقط نظرا في القصاص إلى المكافأة وقت الزهوق. وكما لا يسقط القصاص لا تسقط الكفارة كالديون اللازمة في الكفر.
تنبيه: قد علم من تعليل الثاني أن محل الخلاف إذا لم يسلم المجروح، فإن أسلم ثم مات وجب القصاص قطعا.
ومحله أيضا في قصاص النفس، أما لو قطع طرفا ثم أسلم القاطع ثم سرى وجب قصاص الطرف قطعا. (وفي الصورتين) وهما إسلام القاتل بعد قتله أو جرحه لا يقتص له وارثه الكافر، بل (إنما يقتص) له (الإمام) لكن (بطلب الوارث) ولا يفوضه إليه تحرزا من تسليط الكافر على المسلم، فإن أسلم فوض إليه لزوال المانع. أما إذا لم يطلب فليس للإمام أن يقتص وإن كان هو الوارث فله أن يقتص. (والأظهر قتل مرتد) انتقل من إسلام إلى كفر (بذمي) ومستأمن ومعاهد سواء عاد إلى الاسلام أم لا كما قاله في الام لاستوائهما في الكفر، بل المرتد أسوأ حالا من الذمي لأنه مهدر الدم ولا تحل ذبيحته ولا مناكحته ولا يقر بالجزية، فأولى أن يقتل بالذمي الثابت له ذلك، أي غالبا، وإلا فقد يتخلف عنه بعضها كالمجوسي إذا عقدت له الذمة. والثاني: لا يقتل به لبقاء علقة الاسلام في المرتد. ويؤخذ من التعليل
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548