مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٨٢
وعلى عدم دعوى ونحوه من المسقطات، وينبغي أن يأتي فيه ما مر في السرقة اه‍ وكلام المصنف قد يفهم أنه لا يعتبر الحرز وهو وجه، والمشهور وجزم به الأكثرون أنه يعتبر، فلو كان المال تسير به الدواب بلا حافظ أو كانت الجمال مقطورة ولم تتعهد كما شرط في السرقة لم يجب القطع والحرز هنا أن يكون المال مع مالكه أو بحيث يراه وتغزر أن يدفع عنه من يأخذه ومحل قطعهما إذا وجدتا، فإن فقدت إحداهما اكتفى بقطع الأخرى، وفى معنى الفقد أن تكون شلاء لا تنحسم عروقها لو قطعت، قال في أصل الروضة: ويحسم موضع القطع كما في السارق ويجوز أن يحسم اليد ثم تقطع الرجل، وأن تقطعا جميعا ثم يحسما، ويعتبر قيمة المأخوذ في موضع الاخذ إن كان موضع بين وشراء حال السلامة لا عند استسلام الناس لاخذ أموالهم بالقهر والغلبة، وإن لم يكن موضع بين وشراء فأقرب موضع إليه يوجد فيه ذلك وشراؤه: قاله الماوردي (وإن قتل) معصوما مكافئا له عمدا كما يعلم مما يأتي، ولم يأخذ مالا (قتل حتما) للآية السابقة، وإنما تحتم لأنه ضم إلى جنايته إخافة السبيل المقتضية زيادة العقوبة، ولا زيادة هنا إلا بالتحتم، قال البندنيجي: ومحل تحتم القتل إذا قتل لاخذ المال وإلا فلا يتحتم. قال البلقيني: وهو مقتضى نص الام، ومعنى تحتمه أنه لا يسقط بعفو الولي ولا بعفو السلطان عمن لا وارث له، ويستوفيه الإمام لأنه حد من حدود الله تعالى، ولا فرق بين القتل صبرا وبين الجرح والموت منه بعد أيام قبل الظفر به والتوبة ولم يرجع عن إقراره، أما إذا قتل غير معصوم أو غير مكافئ له أو قتل خطأ أو شبه عمد فلا يقتل (وإن قتل وأخذ مالا) نصابا فأكثر، وقياس ما سبق اعتبار الحرز، وعدم الشبهة (قتل ثم صلب) حتما زيادة في التنكيل ويكون صلبه بعد غسله، وتكفينه والصلاة عليه كما مر في الجنائز، والغرض من صلبه بعد قتله التنكيل به وزجر غيره، وبما تقرر فسر ابن عباس الآية فقال:
المعنى أن يقتلوا إن قتلوا أو يصلبوا مع ذلك إن قتلوا وأخذوا المال أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، إن اقتصروا على أخذ المال، أو ينفوا من الأرض إن أرعبوا ولم يأخذوا شيئا فحمل كلمة أو على التنويع لا التخيير كما في قوله تعالى " وقالوا كونوا هودا أو نصارى " إذ لم يخير أحد منهم بين اليهودية والنصرانية، وإنما صلب بعد القتل لأن في صلبه قبله زيادة تعذيب. وقد نهى عن تعذيب الحيوان. قال صلى الله عليه وسلم " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة " ويصلب على خشبة ونحوها (ثلاثا) من الأيام ليشتهر الحال ويتم النكال، ولان لها اعتبارا في الشرع وليس لما زاد عليها غاية (ثم ينزل) هذا إذا لم يخف التغير، فإن خيف قبل الثلاث أنزل على الأصح وحمل النص في الثلاث على زمن البرد والاعتدال.
(تنبيه) أشعر كلامه بالاكتفاء بالصلب أي موضع كان. وقال الماوردي: يكون قتلهم وصلبهم في الموضع الذي حاربوا فيه لا أن يكون بمفازة لا يمر بها أحد فيقتلون في أقرب المواضع منها. فإن قيل: كان الأولى للمصنف أن يقول ثلاثة، لأن الأيام مذكرة فتثبت فيه التاء. أجيب بأن المعدود إذا حذف يجوز فيه الوجهان كما في قوله صلى الله عليه وسلم " من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال " (وقيل يبقى) مصلوبا أكثر من ثلاثة أيام (حتى يسيل صديده) وهو ماء رقيق يخرج مختلطا بدم تغليظا عليه وتنفيرا عن فعله (وفى قول يصلب) حيا صلبا (قليلا ثم ينزل فيقتل) لأن الصلب شرع عقوبة له فيقام عليه وهو حي. فإن قيل: كلامه لا يوافق أصله، ولا الشرح والروضة، فإن عبارة المحرر يصلب صلبا لا يموت منه، وعبارة الشرح والروضة: يصلب حيا ثم يقتل. أجيب بأن عبارته لا تنافى ذلك، بل هي بيان العبارات المذكورة، لكن الغالب أن القليل يحمل على ثلاثة أيام، ولهذا قال الأذرعي: وكأن المصنف أراد أن يكتب ثلاثا فسبق القلم فكتب قليلا اه‍ ولعله إنما كتبها قصدا فلا يتقيد ذلك بثلاث قال الغزالي: وكلامهم يدل على أن الخلاف في الوجوب (ومن أعانهم) أي قطاع الطريق (وكثر جمعهم) ولم يزد على ذلك بأن لم يأخذ مالا نصابا ولا قتل نفسا (عزر بحبس وتغريب وغيرهما) كسائر المعاصي، وفى الخبر " من كثير سواد قوم فهو منهم ".
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548