مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٤ - الصفحة ١٧٨
ذكر الزاني؟ أجيب عن ذلك بجوابين: الأول أن اليد للسارق مثلها غالبا فلم تفت عليه المنفعة بالكلية، الثاني أن في قطع الذكر إبطال النسل غالبا، والحكمة في قطع اليمنى أولا أن البطش بها أقوى غالبا فكانت البداءة بها أردع.
تنبيه: محل قطعها إذا لم تكن شلاء والأرجح أهل الخبرة، فإن قالوا ينقطع الدم وتسد أفواه العروق قطعت واكتفي بها وإلا لم تقطع لأنه يؤدي إلى فوات الروح. (فإن سرق ثانيا بعد قطعها) أي يده اليمنى (فرجله اليسرى) تقطع إن برئت يده اليمنى، وإلا أخرت للبرء (و) إن سرق (ثالثا) بعد قطع رجله اليسرى تقطع (يده اليسرى و) إن سرق (رابعا) بعد قطع يده اليسرى تقطع (رجله اليمنى) لما رواه الشافعي بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال في السارق: إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله. والحكمة في قطع اليد والرجل أن اعتماد السارق في السرقة على البطش والمشي فإنه يأخذ بيده وينقل برجله فتعلق القطع بهما، وإنما قطع من خلاف لئلا يفوت جنس المنفعة عليه فتضعف حركته كما في قطع الطريق، لأن السرقة مرتين تعدل الحرابة شرعا، والمحارب تقطع أولا يده اليمنى ورجله اليسرى، وفي الثانية يده اليسرى ورجله اليمنى، وإنما لم تقطع الرجل إلا بعد اندمال اليد، لئلا تفضي الموالاة إلى الهلاك، وخالف موالاتهما في الحرابة، لأن قطعهما فيها حد واحد. (وبعد ذلك) أي بعد قطع اليدين والرجلين إذا سرق خامسا فأكثر فإنه (يعزر) لأن القطع ثبت بالكتاب والسنة ولم يثبت بعد ذلك شئ آخر، والسرقة معصية فتعين التعزير كما لو سقطت أطرافه أولا ولا يقتل كما نقل عن القديم. وما استدل به من أنه (ص) قتله، أجيب عنه بأنه منسوخ، أو محمول على أنه بزنا أو استحلال كما قاله الأئمة، بل ضعفه الدارقطني وغيره، وقال ابن عبد البر: إنه منكر، ولان كل معصية أوجبت حدا لم يوجب تكرارها القتل كالزنا والقذف (ويغمس محل القطع بزيت أو دهن مغلى) - بضم الميم وفتح اللام - اسم مفعول من أغلى. أما فتح الميم مع كسر اللام وتشديد الياء على زنة مفعول فلحن كما قاله ابن قاسم، وفعل ذلك مندوب للامر به كما رواه الحاكم وصححه، والمعنى فيه سد أفواه العروق لينقطع الدم.
تنبيه: قضية كلامه امتناعه بغير الزيت والدهن، واقتصر الشافعي في الام على الجسم بالنار، وفصل الماوردي في الحاوي فجعل الزيت للحضري، والنار للبدوي لأنها عادتهم وهو تفصيل حسن. (قيل هو) أي الغمس المسمى بالحسم (تتمة للحد) فيجب على الإمام فعله، ولا يجوز له إهماله، لأن فيه مزيد إيلام (والأصح) المنصوص (أنه) أي الغمس المذكور (حق للمقطوع) لأن الغرض المعالجة ودفع الهلاك بنزف الدم (فمؤنته عليه) كأجرة الجلاد إلى أن يقيم الإمام من ينصب الحدود ويرزقه مال المصالح كما مر.
تنبيه: سكت المصنف عن المؤنة على الوجه الأول، وقضيته أنها لا تكون على المقطوع وليس مرادا، ففي الروضة وأصلها أنه على الخلاف في مؤنة الجلاد. (و) على الأصح (للإمام إهماله) ولا يجبر المقطوع عليه، بل يستحب له ويندب للإمام الإمام به عقب القطع، ولا يفعله إلا بإذن المقطوع، لأنه نوع مداواة. نعم لو كان إهماله يؤدي إلى تلف لتعذر فعل ذلك من المقطوع بإغماء أو جنون أو نحو ذلك لم يجز للإمام إهماله كما قاله البلقيني وغيره (وتقطع اليد) بحديدة ماضية دفعة واحدة (من الكوع) أي مفصله للامر به في خبر سارق رداء صفوان، والمعنى فيه أن البطش بالكف وما زاد من الذراع تابع، ولهذا يجب في قطع الكف الدية، وفيما زاد عليه حكومة (و) تقطع (الرجل من مفصل القدم) - بفتح الميم وكسر الصاد - اتباعا ل عمر رضي الله عنه كما رواه ابن المنذر. وروى البيهقي عن علي رضي الله عنه أنه يبقى له الكعب ليعتمد عليه، وبه قال أبو ثور.
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الجراح 2
2 فصل: في الجناية من اثنين وما يذكر معها 12
3 فصل: في أركان القصاص في النفس، وهي ثلاثة الخ 13
4 فصل: في تغير حال المجروح من وقت الجرح إلى الموت الخ 23
5 فصل: في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني، وفي إسقاط الشجاج الخ 25
6 باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه 30
7 فصل: في اختلاف ولي الدم والجاني 38
8 فصل: في مستحق القصاص ومستوفيه 39
9 فصل: في موجب العمد، وفي العفو 48
10 كتاب الديات 53
11 فصل: في موجب ما دون النفس، وهو ثلاثة أقسام الخ 58
12 فصل: تجب الحكومة فيما لا مقدر فيه الخ 77
13 باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة 80
14 فصل: فيما يوجب الشركة في الضمان وما يذكر معه 89
15 فصل: في العاقلة، وكيفية تأجيل ما تحمله 95
16 فصل: في جناية الرقيق 100
17 فصل: في دية الجنين 103
18 فصل: في كفارة القتل التي هي من موجباته 107
19 كتاب دعوى الدم والقسامة 109
20 فصل: فيما يثبت موجب القصاص وموجب المال من إقرار وشهادة 118
21 كتاب البغاة 123
22 فصل: في شروط الإمام الأعظم الخ 129
23 كتاب الردة 133
24 كتاب الزنا 143
25 كتاب حد القذف 155
26 كتاب قطع السرقة 158
27 فصل: فيما لا يمنع القطع وما يمنعه الخ 170
28 فصل: في شروط السارق الخ 174
29 باب قاطع الطريق 180
30 فصل: في اجتماع عقوبات في غير قاطع الطريق 184
31 كتاب الأشربة 186
32 فصل: في التعزير 191
33 كتاب الصيال وضمان الولاة 194
34 فصل: في ضمان ما تتلفه البهائم 204
35 كتاب السير 208
36 فصل: فيما يكره من الغزو الخ 220
37 فصل: في حكم ما يؤخذ من أهل الحرب 227
38 فصل: في الأمان 236
39 كتاب الجزية 242
40 فصل: في أقل الجزية دينار لكل سنة 248
41 فصل: في أحكام عقد الجزية الزائدة على ما مر 253
42 باب الهدنة 260
43 كتاب الصيد والذبائح 265
44 فصل: يحل ذبح حيوان مقدور عليه الخ 273
45 فصل: فيما يملك به الصيد وما يذكر معه 278
46 كتاب الأضحية 282
47 فصل: في العقيقة 293
48 كتاب الأطعمة 297
49 كتاب المسابقة والمناضلة 311
50 كتاب الايمان 320
51 فصل: في صفة كفارة اليمين 327
52 فصل: في الحلف على السكنى والمساكنة الخ 329
53 فصل: في الحلف على أكل أو شرب الخ 335
54 فصل: في مسائل منثورة 342
55 فصل: في الحلف على أن لا يفعل كذا 350
56 كتاب النذر 354
57 فصل: في نذر حج أو عمرة أو هدي أو غيرها 362
58 كتاب القضاء 371
59 فصل: فيما يعرض للقاضي مما يقتضي عزله الخ 380
60 فصل: في آداب القضاء وغيرها 385
61 فصل: في التسوية بين الخصمين 400
62 باب القضاء على الغائب 406
63 فصل: في بيان الدعوى بعين غائبة أو غيرها الخ 411
64 فصل: في ضابط الغائب المحكوم عليه الخ 414
65 باب القسمة 418
66 كتاب الشهادات 426
67 فصل: في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال الخ 440
68 فصل: في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك 450
69 فصل: في جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها 452
70 فصل: في رجوع الشهود عن شهادتهم 456
71 كتاب الدعوى والبينات 461
72 فصل: فيما يتعلق بجواب المدعى عليه 468
73 فصل: في كيفية الحلف والتغليظ فيه الخ 472
74 فصل: في تعارض البينتين مع شخصين 480
75 فصل: في اختلاف المتداعيين في العقود وغيرها 485
76 فصل: في شروط القائف 488
77 كتاب العتق 491
78 فصل: في العتق بالبعضية 499
79 فصل: في الاعتاق في مرض الموت الخ 502
80 فصل: في الولاء 506
81 كتاب التدبير 509
82 فصل: في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها الخ 513
83 كتاب الكتابة 516
84 فصل: فيما يلزم السيد بعد الكتابة الخ 521
85 فصل: في لزوم الكتابة وجوازها الخ 528
86 فصل: في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة ومخالفتها لها 532
87 كتاب أمهات الأولاد 538
88 التعريف بالامام النووي 545
89 التعريف بالامام الشربيني الخطيب 548